رئيس التحرير : مشعل العريفي
 مشعل السديري
مشعل السديري

إنسان غير سويّ

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

هناك حديث شريف أعتبره من أعظم الأحاديث، والذي جاء فيه: نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع. وبعض الناس للأسف فهموا معنى: (إذا أكلنا لا نشبع) غلط، فأعرف بعض الأصدقاء لا يتوقف الواحد منهم عن الأكل حتى يفح وبطنه يكاد أن يتفزر وكأنه امرأة حامل في شهرها التاسع – من كثرة ما حشاه (عبّاس على دبّاس). تستطيعون أن تقولوا عني إنني ذوّاقة غير أكّيل، أعشق التردد على المطاعم من باب المتعة والعلم بالشيء لا أكثر ولا أقل، فلي (في كل عرس قرص) –مثلما يقولون. إنني إنسان أحب التجربة ولكن بحذر، وأتتبع آخر ما توصلت له التقارير والإحصائيات عن المطاعم والأكلات التي أظهرتها آخر دراسة عالمية حسب استبيانات ميدانية، أن (الباستا) التي أعشقها، أخذت المرتبة الأولى كأفضل طبق، متفوقه على اللحم والسمك والأرز والبيتزا. ولاحظت أن الفرنسيين رغم أنهم أكولين ولا يفوّتون وجبة، إلاّ أنهم عموماً يميلون إلى الرشاقة، بعكس الأميركان فهم جشعون بأكل كل ما هب ودب، وتغلب على أجسامهم البدانة. وبحكم أنني أحب التجربة مثلما ذكرت لكم آنفاً، لهذا أحرص على تجريب كل مطاعم الشعوب، من فرنسية إلى إيطالية إلى مكسيكية إلى صينية إلى تركية إلى إنجليزية إلى مغربية إلى يونانية إلى هندية، بل وحتى إلى (صعلوكية) التي (المنيو) فيها لا يتعدّى عن كسرة من الخبز مع كوب من الماء، وكان الله يحب المحسنين. وعندما كنت في باريس سمعت عن مطعم (الظلام) – نعم الظلام -، فهفتني نفسي للذهاب إليه، وهذا المطعم لا يخدم فيه غير غراسين من العميان، ويترك الزبائن في الأمانات كل ما هو مضيء مثل الساعات والهواتف المحمولة حتى لا تأتيك رسالة نصية تخترق هذا الصمت المظلم. وبعد أن تضع يدك على كتف مرشدك يقودك إلى قاعة طعام تتسع لنحو مائة شخص، وسط ظلام دامس، بل إن زبائن إحدى الطاولات التي كانت بجانبنا يحتفلون فيها بعيد ميلاد غابت عنه الشموع. ويعرفك الغرسون بما يوجد في الطبق الذي وضع أمامك، وبعدها تبدأ المتعة أو الشقاء في أن تدخل الطعام في فمك بالطريقة التي تقدر عليها، واكتشفت أنني أخيب خلق الله بتصويب اللقمة إلى فمي، فمرّة تضرب أنفي ومرّة صدغي ومرّة ذقني، حتى أذني كان لها نصيب من الأكل، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنني إنسان غير سويّ – من ناحية التصويب لا من ناحية الأخلاق لا سمح الله.
نقلا عن الشرق الأوسط

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up