رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد الأحمري
فهد الأحمري

الركاب بالمجان وقطاع الطرق

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

تطرقنا سابقاً لمفهوم الركاب بالمجان، غير أننا نتناوله هنا من جانب آخر. وقبل هذا نشير لمفهوم الركاب بالمجان على عجل. هم في الحقيقة أشبه ما يكونون باللصوص في استخدام مقاعد وسائل النقل دون الدفع، ومنهم من يعدها صناعة وشطارة. صوّر هذا المشهد زياد الرحباني بصوت العملاقة فيروز قبل حوالي 40 عاماً في أغنية "البوسطة": نحنا كنا طالعين طالعين ومش دافعين ساعة نهدّي له الباب وساعة نهدّي الركاب على الجانب الاجتماعي؛ هم أشخاص عالة على مجتمعهم، فهم يتمتعون بفوائد شخصية من جهد غيرهم دون المساهمة بأي مشاركة تتناسب مع جهود الآخرين، سواء كانت تلك الجهود على المستوى الاجتماعي أو على مستوى نهضة وتطوير أوطانهم. الأسوأ من الركاب خلسة أو بالمجان هم "قطاع الطرق" أمام وسائل النقل ذاتها. التحولات الوطنية هي وسيلة نقل لنهضة الوطن وتنميته غير أن هذه المحاولات كانت وما زالت تتعرض لـ "قطاع طرق" يُعوّقون المسيرة. ورغم هذا، فقد عايش الوطن مراحل نقلات كبيرة في حقب زمنية متفاوتة استطاع من خلالها أن يواكب بلدان العالم في النقلة الحضارية التي شملت التعليم والإعلام وغيرهما. لم تكن تلك النقلات الحضارية تمر على بلادنا بسلاسة وسهولة، بل كانت تمر عبر حرب شعواء يقودها الممانعون لكل مظاهر التطور والتنمية. فمنذ مشروع تعليم المرأة سنة 1959 إلى مشروع الابتعاث سنة 2005، 45 عاما والممانعون يمارسون جهادهم وجهودهم ضد قضايا التعليم ثم إذا فُرض القرار بـ"حزم" الدولة تسابق هؤلاء في تعليم وابتعاث أبنائهم وبناتهم. وفي مرحلة مشرقة من دخول السعودية لعالم التلفزيون، شهدت أحداثاً أليمة في المعارضة الراديكالية. بين 1965 و1985، 20 عاماً كانت النقلة من البث الأرضي إلى البث الفضائي. بدأ أول بث للتلفزيون السعودي الوطني وسط بعض المتشددين، وسُجلت آنذاك محاولات فردية لإغلاقه بالقوة. وفي الثمانينات ينطلق البث الفضائي عبر عربسات غير أن نفس التيار يقف معترضاً، بل وتجاوز الحد في المعارضة اللفظية إلى تكسير الأطباق الفضائية في بعض المناطق مباشرة، أو "قنصاً" بالساكتون أو "النباطة" في أحداث مشاهدة رأي العين. في تلك المرحلة، كان الكثير يتعمد تركيب تلك الصحون في أماكن مخفية خوفاً من "القناصة" وخروجاً من اللوم المجتمعي والزيارات الوعظية للمنزل والوصم بـ"الدياثة" في المحاضرات أو على المنابر. هدأت الأمور بل وتحول الكثير من المعارضين إلى الدخول في سباق ماراثوني للقنوات الفضائية للتكسب المادي أو للظهور الإعلامي، بل أصبح البعض منهم مُلاكاً لكثير من القنوات. الشبكة العنكبوتية أيضاً واجهت نفس الممانعة بداية دخولها من بعض قطاع طريق الحضارة والتنمية. يقول بدر العامر على حسابه التويتري: "كنت في مجلس سنة 1996، وكان في المجلس طلبة علم ومشايخ يعارضون الإنترنت ويحرمونه، واليوم هم يداومون فيه في الصباح والمساء". ويستمر الثوار ضد الثورة المعلوماتية، ففي سنة 1996 يتم إطلاق خدمة الهاتف الجوال في السعودية. لم يكن الاعتراض على الجوال بحد ذاته بل على منح الرجل لمحارمه هاتف الجوال كونه وسيلة لإغواء هذا الكائن الضعيف "ناقص العقل والدين"! بدأت الحملة تشتد ضد "الضيف الجديد" بسبب ظهور إصدارات حديثة من "الباندا" مزودة بكاميرا، الأمر الذي ألهب الثائرين المتباكين على فساد الأمة، ما أدى لإصدار فتوى بتحريم الجوال المحتوي على كاميرا، وتم منعه رسميا ومصادرته من الأسواق ومصادرته ممن يحمله والتعميم على عدم دخوله في المنافذ أواخر سبتمبر 2004. 2005 يبزغ فجر جديد لأعظم مشاريع التنمية البشرية في تاريخ الوطن. برنامج الابتعاث واجه حمى مسعورة من الاعتراض والتشكيك وإلصاق التهم بالبرنامج والمبتعث في سبيل قطع الطريق أمامه. وتتواصل أعمال "قطاع الطرق" أمام نهضة الوطن، ويشتد النشاط حين يكون الأمر يخص المرأة وتطويرها ومنحها حقها في المساهمة الوطنية. 2013 كان أقوى انتصار للمرأة وعقلها وسماع رأيها بدخول 30 عضوة لمجلس الشورى ما بين عالمة وأكاديمية وخبيرة في مجالات متعددة. 2015 مُنحت المواطنة السعودية حقاً آخر بدخولها الانتخابات البلدية. كلا الحدثين لاقى تصديا هائلا من قبل المأزومين تجاه أي دور فاعل إيجابي تقدمه بنت الوطن لوطنها. اللافت للنظر أن التيارات المعادية للنهضة واجهت كثيرا من تلك التحولات الحضارية التي شهدها الوطن ، ثم انقلبت فيما بعد إلى مواكبة ثم منافسة، وتحولت بقدرة قادر من معارضة إلى مسارعة فيما كان في نظرها فسوقاً وحراماً عندها فيه من الله برهان! لهذا فإن الوطن شرع نحو تحولات وطنية لإعادة تشكيل بنية المجتمع نحو التقدم دون أن يلتفت لـ"قطاع الطرق". صحيح أن التطوير في بلادنا ليس كأي بلد يمر بحالة من القبول والانسيابية، بل هو يمر بجهود مضاعفة لوجود تيار الـResistant ومع ذلك تمضي العجلة. تخيلوا أن الوطن انتظر حتى تنضج أفكار هؤلاء ويغيروا آراءهم وفتاواهم المخالفة لمظاهر الحضارة والتنمية منذ 1959 الآنف الذكر!
نقلا عن الوطن

arrow up