رئيس التحرير : مشعل العريفي
 د. زهير الحارثي
د. زهير الحارثي

أردوغان.. داء العظمة قد يقتل أحياناً

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

الزعيم التركي له مشروعه الذاتي الذي يهدف لتحقيقه داخل تركيا وخارجها بحيث إنه يسعى لدور ونفوذ إقليمي وإعادة الخيالات العثمانية. هناك رأي داخل تركيا بين التيارات والقوى السياسية أن سياسة الرئيس التركي لا تخدم تركيا ولا استقرار المنطقة..
التعاطي العربي مع تركيا في مرحلة ما قبل حكم حزب العدالة والتنمية كان سلبياً كون الشعور باندفاعها لعضوية الاتحاد الأوروبي آنذاك ألغى كثيرًا من المبادرات تجاهها. في حين إن الهوس التركي برغبة الانضمام للمحيط الأوروبي كان في مقدمة أولويات الحكومة التركية، ولم يعن لها العرب كثيراً بل كان شعورها تجاه العرب فوقياً وعنصرياً. جاءت مرحلة حكم العدالة وتغيرت الأمور كثيراً وفُتحت الأبواب لأنقرة لعلاقات شراكة وتعاون على اعتبار القواسم المشتركة من جغرافيا واقتصاد وثقافة.
العرب رحبوا بالانفتاح التركي آنذاك وتصوروا أن أردوغان نصير لهم ولقضاياهم لا سيما في مواجهة التمدد الإيراني، أو حتى الدفاع عن القضايا العربية قبل أن يتبين لهم لاحقاً أن هناك مشروعاً تركياً إقليمياً يسعى للسيطرة والهيمنة وأن خطاباته ما هي إلا دعاية رخيصة لاستمالة وجذب الشارع العربي.
انحراف السياسة التركية لمسناه منذ أن غُلب البعد الأيديولوجي على المصلحة الوطنية حيث دعمت جماعات الإسلام السياسي وتحديداً جماعة الإخوان المسلمين، وأصبحت مقراً لها بالتنسيق مع دولة قطر وانقلبت في تطور مفاجئ على مبدأ تصفير المشكلات لتدعم ثورات وأحزاب وأطراف في دول عربية وبالتالي تورطت في ملفات عديدة.
جاءت تصرفات أردوغان مع مرحلة ثورة الربيع العربي ودعمه لجماعة الإخوان وتدخلاته في الشأن العربي واتهاماته الجوفاء للمملكة واستغلاله لقضية مقتل خاشقجي ودوره الخفي في تأزيم الخلاف ما بين قطر والدول الأربع بزرع قاعدة تركية في الدوحة، وغيرها من السياسات المربكة التي أدخلت تركيا في نفق مظلم.
اليوم تتعرض تركيا لحملة شرسة وتحديداً ضد سياسات وأساليب وأفعال الرئيس أردوغان. الحملة تزامنت مع الجرائم التي ترتكب ضد الأكراد وأيضاً مع ذكرى المجازر التي تمت بحق الأرمن وبالأمس عززت القوات التركية تواجدها في الأراضي العربية السورية. مجلس النواب الأميركي صوت وفي قرار تاريخي الاعتراف بـ"الإبادة الأرمنية"، وهي سابقة لها دلالاتها. لحق ذلك القرار صفعة أخرى للنظام التركي حيث تم تبني قانون يفرض عقوبات على تركيا بسبب عمليتها العسكرية ضد الأكراد في شمال شرق سوريا. رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي قالت: إنه يشرفها المساهمة مع زملائها في "إحياء ذكرى واحدة من أكبر الفظائع في القرن العشرين: القتل المنهجي لأكثر من مليون ونصف مليون أرمني من رجال ونساء وأطفال الأرمن على يد الإمبراطورية العثمانية". الأرمن يرون أن القتل الجماعي الذي تعرضوا له بين 1915 و1917م كان حملة "إبادة"، وهذا ما تعترف به ثلاثون دولة حالياً. كما أن تولسي غبارد مرشحة ديمقراطية للانتخابات الرئاسية الأميركية 2020، شنت هجوماً عنيفاً على الرئيس التركي واصفة إياه "أنه رجل متطرف مصاب بجنون العظمة". وقالت: إنه "غزا سوريا ويقوم بذبح الأكراد باستخدام عناصر داعش والقاعدة كميليشيات خاصة به للسيطرة على الحكم في سوريا".
الزعيم التركي له مشروعه الذاتي الذي يهدف لتحقيقه داخل تركيا وخارجها بحيث إنه يسعى لدور ونفوذ إقليمي وإعادة الخيالات العثمانية. هناك رأي داخل تركيا بين التيارات والقوى السياسية أن سياسة الرئيس التركي لا تخدم تركيا ولا استقرار المنطقة.
داخل حزب العدالة والتنمية هناك أيضاً أصوات شعرت بتفرد الرئيس المفرط والمطلق بالسلطة ووصلت لقناعة بأن الهيمنة على كل شيء قد يكون له عواقب وخيمة على السلم الأهلي. الزعيم التركي لم يعد متوازناً ويميل للتصعيد ما سيدفع تركيا لعزلة دولية قد تكلفها كثيراً.
الرئيس التركي يزعم بنجاح الديمقراطية التركية ويضرب بها المثل والحقيقة إن هذا الأمر مثير للضحك لا سيما مع وجود أسئلة معلقة تتمثل في تفسير الحرب التي شنت على ما سمي بجماعة غولن واعتقال الآلاف من الشعب التركي وقطع أرزاقهم ناهيك عن لغة التهديد مع المعارضة العلمانية، والحرب الشرسة ضد حزب العمال الكردستاني، رغم أنهم مكون اجتماعي تركي، وكذلك ملف قبرص.
السياسة التركية في الآونة الأخيرة أصبحت مزعجة ومقلقة ولا تلقى رواجاً ولا قبولاً لا في منطقتنا ولا العالم بسبب سياسات الرئيس التركي وظل التساؤل مطروحاً عما إذا كان ذلك يعني تحولاً استراتيجياً في السياسة التركية أو أنها لحظة طارئة تنتهي برحيل من فرضها واعتمدها، والزمن كفيل بالإجابة على أي حال.
نقلا عن الرياض

arrow up