رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد الأحمري
فهد الأحمري

صادق وصديق العمدة والإرهابي

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

هاجر والداهما من باكستان إلى العالم الآخر، إلى عالم الحلم الكبير في العيش في بلاد الغرب، حيث الدخل المادي الكافي والأسرة السعيدة في ظل قوانين تكفل لهم حقوقهم الشخصية وحصول أطفالهم على الجنسية الغربية التي تمكنهم من تعليم راق وفرص عمل وفيرة. كانت الهجرة في أواخر الستينات من القرن المنصرم وكانت الوجهة إلى نفس البلد (المملكة المتحدة)، غير أن أحدهما اختار لندن وفيها رزقت العائلة بصادق خان أكتوبر 1970. أما العائلة الأخرى فاختارت ليدز التي كانت مسقط رأس الابن صديق أكتوبر 1974. عمل والد صادق سائق حافلة في لندن، أما والد صديق فاختار أعمال السباكة، أخذ صادق وصديق حقهما في التعليم العام في مدارس حكومية ثم التعليم الجامعي. درس صادق القانون وتخرج في جامعة نورث لندن وأصبح محاميا في قضايا حقوق الإنسان ثم اتجه للعمل السياسي في حزب العمال البريطاني. في المقابل، فإن صديق نال البكالوريوس في مجال دراسات الأعمال من جامعة ليدز في متروبوليتان ثم تعين مستشار تعليم في المرحلة الابتدائية. تدرج "اللندناوي" صادق في مجال عمله حتى دخل مجلس العموم البريطاني وبعدها بشهرين فقط وقعت تفجيرات لندن يوليو 2005 التي أسفرت عن مصرع 55 شخصا وإصابة أكثر من 700. حدث إرهابي شنيع وطامة كبرى على مسلمي لندن خصوصا، غير أن الطامة نزلت على صادق مضاعفة، ذلك أن ثلاثة من الانتحاريين من نفس أصول صادق! بل إن الرأس المدبر للجريمة هو صديق خان ابن "ليدز" من الأسرة الباكستانية الأخرى! ناقش البرلمان تلك الجريمة، وبكل شجاعة، تحدث البرلماني صادق خان ودعا كل أهل لندن بكافة أعراقهم ومعتقداتهم إلى الاستمرار في العمل ومنع المجرمين من إفساد حياتهم. كارثة بهذا الحجم وبتنفيذ من أشخاص يلتقون مع صادق في نفس المعتقد ونفس الأصول بل و"نفس الاسم"، كفيلة بأن تودي بمستقبله تماماً، فضلاً عن مركزه المرموق في البرلمان البريطاني. كل هذا لم يحدث، بل حدث ما هو على النقيض، فقد عُين وزيراً للدولة لشؤون المجتمعات سنة 2007 ثم أصبح وزيراً للنقل في آخر حكومة عمالية بريطانية. فاز خان من حزب العمال وترشح للانتخابات النهائية لعمدة لندن، وفي نفس اليوم من ديسمبر 2015 تنفجر كاليفورنيا على يد إرهابي آخر من نفس أصول صادق وهو الأميركي سيد فاروق. نفذ فاروق هو وزوجته تاشفين مالك مذبحة تجاوز ضحاياها الثلاثين شخصاً ما بين قتيل وجريح في سان برناردينو بولاية كاليفورنيا، الأمر الذي أعاد النظر في انتخاب صادق ودفع بمعارضيه لاستغلال الموقف ضده. صحيح أن المواطن الغربي وخصوصا البريطاني اهتزت ثقته بالمسلمين جراء أحداث الإرهاب هنا وهناك، إذ لم ينس "اللندناويون" الإرهابي الهالك صديق خان وعمله الشنيع الذي أدمى لندن وأزهق أرواح أهلها، غير أنه في النهاية سلم مفاتيح لندن لصادق خان! يا لعظمة الدروس التي يقدمها المجتمع الغربي المتحضر في رحابة الأفق والتعامل الراقي مع الأشخاص بعيداً عن تصنيفاتهم العرقية والعقائدية، فبرغم ما حصل من سوءات بعض المسلمين وتلطّخ أيديهم بالإرهاب في عقر الديار الغربية إلا أنهم يرفضون التعميم وخلط الأوراق، ويقدّمون أنظمة محترمة محايدة تقدس الكفاءات لا العواطف. يدعي البعض بأن صادق منسلخ عن هويته الإسلامية، وهذا غير صحيح، فقد قال يوما "أنا فخور بأنني مسلم" في معرض دفاعه عن نفسه ضد خصمه اليهودي "جولد سميث" الذي كان يصمه بالتطرف. وعقب فوزه بالمنصب، بدأ خان كلمته التي ألقاها بالبسملة والصلاة على رسول الله. للأسف، نسمع بيننا من يتحدثون عن خلفية خان الإسلامية من حيث مذهبه وفكره وما إلى ذلك ليجدوا مطعناً في دينه يبنون على أساسه تبريراً لقبوله هو وغيره في العالم الغربي. هم يبنون على مفاهيم مأزومة مفادها أن الكيانات الغربية لا تقبل المسلم حتى يكون إسلامه ذا صبغة غربية، متناسين قيم الكفاءة والقدرات التي تبحث عنها المجتمعات المتحضرة غير آبهة بنزعة الفرد الفكرية والعرقية وهو أحد أسرار النجاح الذي لم نستطع نحن استيعابه. لم يكن صادق خان هو المسلم الأول في البرلمان البريطاني فهناك ساجد جافيد ابن سائق الحافلة أيضاً الباكستاني الأصل وهو عضو برلماني من حزب المحافظين والذي عينه ديفيد كاميرون وزيراً للثقافة في أبريل 2014. في مجتمع غالبيته لا يدين بدين الإسلام بل تجرع ويتجرع مرارات إرهاب بعض المسلمين، ها هي بريطانيا تقدم نماذج في التسامح والتعايش وتضع ثقافتها العريقة بيد ساجد، وباليد الأخرى تسلم عاصمتها لصادق خان، فهل استوعبنا الدرس؟!
نقلا عن الوطن

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up