رئيس التحرير : مشعل العريفي
 خالد السيف
خالد السيف

الأب والأم في البِرِّ سواء «وليس ثلاثة حقوقٍ مقابل حقّ واحد»

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

بهذا نزلَ القرآنُ المجيد آياتٌ بيّناتٌ فيهنّ البُرهان على صِحّةِ ما جاءَ في العُنوانِ – لهذه المقالة – وليسَ في صحيحِ السّنة ما يُمكنُ أن يُستعان به في النقض لِما أُبرم من معنىً في «العنوان» بعاليه؛ إلا ما كانَ في «الأفهام» من قبيل النّظر اجتهاد رأيٍّ في مورد «النص» قطعي الثبوت وليسَ بقطعيِّ الدلالة.. أيّ أنّ ما تتغيّاه هذه المقالةُ لا يخرج عن كونه: اجتهاداً في النّص/ فهماً ولا ينبغي أن تُقرأ المقالة – هاهنا – بوصفها اجتهاداً مع النص كلاّ – وحاشاني فعل ذلك – إذ ليس بخافٍ أنّ ثمّة فرقاً كبيراً فيما بين الاجتهاد في النص وبين الاجتهاد مع النص حتى وإن أتى هذا الأخير – أي النص – بمعنىً أقوى دلالةً من الظاهر.. وعليه فالمقالة تأتي في سياق ما يسوغ فيه الاجتهاد إذ ليست هي في قطعيٍّ أو فيما هو معلوم من الدين بالضرورة. وحتّى نَتبيّن ذلك بوضوحٍ لِنحرّر المسألة على هذا النحو الموجز: * توافرت آياتُ الذكر الحكيم على توكيدِ البرّ بالوالدين، وبشيءٍ من تدبّرٍ في كتابِ الله المجيد يظهر جليّاً بأنّه ما من آيةٍ بين دفتي المصحف قد أعلنت انحيازها لـ «الأم» فأربت مِن ثَمَّ حقّها على حقّ «الأب»؛ فجعلتُه بالتالي «ثلاثاً للأم» فيما الأب يبقى على «حقٍّ واحد»!.. بل إنّ الآيات البيّنات لا تفتأ تقرِنُ حقيهما على حدٍّ سواء في المطلق بِراً وإحساناً، ولئن كانَ شيءٌ من مراعاة اقتضت الزيادةِ في الحضّ على برِّ أحدهما أكثر من الآخر فإنما هو بالنظرِ لأسبابٍ خارجيّة قد تعرِض لأحدهما سواء بسواء وليس لكون هذه «أم» وذاكَ «أب». ودونك بعضاً من الآيات ظاهرة الدلالة تلاوةً ومعنىً (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحساناً)، (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً). (ووصينا الإنسان بوالديه حسناً وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون). ولن تجد في كتاب الله تعالى غير هذا المصطلح القرآني «بالوالدين» اقتراناً يجمع بينهما حسن صحبةٍ وحقوقاً؛ إذ لم يُفرق بينهما في حقيّهما برّاً وإحسان صُحبة، وكان المشترك اللفظي لهما هو مفردة «الوالدان» دقّةً في التوكيد على مسواتهما حقوقاً كما ألمحت لهذا قبلاً، ولعلّ في هذا من الكشف اللفظي دلالةً ما يكفي إبانةً عن التعامل القرآني في بسط معنى المساواة بينهما حقوقاً.. بل إنّ ذكر أحدهما لم يرد في القرآن بلقبه مستقلاً «أباً أو أماً» وذلك في معرض الحديث عن الأمر بـ«برّهما» وفي آية الأسراء تبدو الدلالة تلاوة ومعنى أظهر: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً). * وكذلك كانت هي مفردات «السنة» إذ جاءت هي الأخرى وفق هذا النظم القرآني «الوالدين» باستثناء جملةٍ من أحاديث اقتضى فيهما التخصيص بأحد الأبوين دون الآخر لأسبابٍ لاعلاقة لها بكون هذه «أم» أو أنّ هذا «أب». * إذن.. فمن أين جاء ما استقرّ لدى العامة ولدى كثير من الخاصّة من أنّ «الأم» هي الأحق بحسن الصحبة بوصفها قد نالت حقوقاً ثلاثة فيما «الأب» ظفر بحقٍ واحد؟! * ما من شكّ أنّ هذا الذي تقرّر لدى العامة – وكثير من الخاصة – كان مصدره ما ثبت عن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- وليس عن محض اجتهادٍ فقهيّ إذ روى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنّه قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ. * سيأتي من يقول – وهو محقّ بادي الرأي – هذا التخصيص للأم إنما جاء ثابتاً – وبظاهر النّص – عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم- فما بالك إذن تزعم قائلاً: إنّ الأم والأب في حقوقهما من حيث البر- وحسن صحبتهما – متساويان ولئن كان للأم ثلاثاً فإنّ للأبّ مثلها إذ هما في البرّ سواء؟! …ولضيقٍ في المساحة نجعل الإجابة عن هذا السؤال «المفصلي» في مقالة الغد بإذن الله تعالى.
نقلا عن الشرق

arrow up