رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد عامر الأحمدي
فهد عامر الأحمدي

نحن في النهاية أفكار مجسدة

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

الانسان مخلوق مفكر لا يتوقف عن التفكير حتى أثناء نومه.. يفعل ذلك بشكل بدهي وتلقائي باستعمال معلومات سابقة أو خبرات معروفة.. يفكر ليفهم ويستوعب ويقرر ويجـد الحلول المناسبة.. أفكاره وطريقة تفكيره هما ما تميزانه وتجسدان شخصيته وتتركان بصمته في الحـياة.. والتفكير صفة وميزة تختلفان عن فعل التـفكـر الذي يمارسه الناس بمستويات مختلفة.. التَـفَـكّـر فعل يحاول استجلاء حقائق غائبة أو مجهولة، أما التفكير فعملية تلقائية تقدم حلولا سريعة لمشكلات معروفة (كأن تفكر ببرمجة الريسيفر حين تختفي قناتك المفضلة).. التَـفَـكـر يتطلب معطيات أعمق وجهدا ذهنيا أكبر كأن تتفكر في خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض.. كلمة "تـفكير" لم ترد في القرآن أبـدا (كونها فعل بدهي لدى الانسان) في حين وردت كلمة "يتفكرون" ثماني عشرة مرة جـاء معظمها كـدعـوة أو حث على ممارسة فعل التفكير ذاته (وفي أنفسكم أفلا تتفكرون).. وهـذا عـن الفعـل أيها السادة؛ فماذا عن الفاعـل؟ رغم أنني شخصيا لا أرتاح للقب مُـفكر (كون جميع البشر مفكرين بطبيعتهم) إلا أنني سأضطر لاستعماله بسبب انتشاره هـذه الأيام وتحوله إلى لقب لمن لا لقب له.. فنحن نطلقه غالبا على شخص عـرف أو اشتهر بكثرة الأفكار والمواضيع التي يطرحها.. لا يعني التخصص (ويصعب إطلاقه على انسان متخصص كعالم فلك أو ذرة) ولكن يسهل استعماله ضمن نطاق الأفكار والآراء والمسائل العقلية.. ومن وجهة نظري الخاصة لا يجوز ربط كلمة مفكر بثقافة معينة (كأن نقول مفكر إسلامي) كون الربط يحتكر من جهة مفهوم ثقافي عام ــ ومن جهة أخرى ــ يحصر المفكر ذاته داخل نطاق ضيق ومحدود (وتخيل شعورك حين يقدم لك أحدهم نفسه على أنه مفكر يهودي أو علماني أو يساري)! .. وبطبيعة الحال؛ أحوالنا كبشر تـتراوح بين التفكير، والتَـفَـكّـر، والـنظر إلينا كمفكرين.. ما يهمني في النهاية هو تنبيهك إلى خطورة الأفكار وقدرتها الخفية على تشكيل حياتنا، وقولبة عقولنا، وتجسيد شخصياتنا.. فنحن نتيجة لما نظن ونعتقد ونتوصل إلـيه من آراء وقناعات (والأسوأ ما نتبناه جاهزا من الآخرين).. لا يمكنك أن تغير حياتك قبل أن تغـير طريقة تفكيرك في الأفكار ذاتها. يقول جل شأنه (إن الله لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ).. وإن كانت هناك من نصيحة أختم بها هذا المقال فهي: انتبه لطريقة تفكيرك لأنها تخلـق آراءك وقناعاتـك.. وتـنبه لآرائك وقناعاتك لأنـهما تجسدان تصرفاتـك وطبيعة كلامك.. وطبيعة كلامك وتصرفاتك هـما "الظاهر" الذي ستُحاسب عليه ويحكم عليك الناس من خلاله.. وفي النهاية جميعنا أفكار مجسدة..
نقلا عن الرياض

arrow up