رئيس التحرير : مشعل العريفي
 د. فهد العتيبي
د. فهد العتيبي

ثقافتنا السعودية بين الانبعاث والابتعاث

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

ترتبط حركة الإنسان الدائمة نحو التغيير بالمتغيرات الحضارية سواء داخل ثقافته الأم أو لدى الشعوب والأمم الأخرى، وقد زرع الله في الإنسان روح التطوير والبناء والتجديد على طول الخط، مثيراً فيه المواهب الإلهية، مثل الإرادة والعقل والحكمة، وبالنظر إلى ثقافتنا السعودية نجدها من أهم الثقافات التي تستند على العديد من الأسس التي يندر وجودها في أي ثقافة أخرى، ومن أهمها العمق الحضاري الضارب بجذوره في أعماق التاريخ وكذلك ظهور العديد من الرسالات على أرضها وعلى رأسها رسالة الإسلام الخالدة، ولكن ومع الأسف فقد تم إهمال هذا البعد التاريخي حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - ويمكن أن نرى ذلك من خلال اختزال هذا العمق الحضاري في قرنين من الزمان على أقصى احتمال وتسميتها «العصر الجاهلي»، بينما تعود حضارة المملكة كما تدل العديد من الشواهد التاريخية والأثرية إلى ملايين السنين، ومع تولي الملك سلمان تغير الوضع، فقد كان اختياره - حفظه الله - لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ليكون ولياً للعهد إيذاناً بتدشين مرحلة جديدة في ثقافة وتاريخ هذه البلاد، وهي المرحلة التي سبق وأن أطلقتُ عليها في مقال سابق في هذه الزاوية «عصر النهضة السعودي»، فقد جاءت رؤية المملكة 2030 مركزة على نقاط القوة في حضارتنا وثقافتنا ومن أهمها العمق الحضاري لهذه الأرض، وظهور الإسلام فيها، وكان هذا الأمر إيذاناً بما أسميه «الانبعاث الثقافي» للمملكة العربية السعودية. حيث كنت ولا أزال مقتنعاً بأن في وسع المملكة العربية السعودية من بين دول أخرى أن تقدم مشاركة أساسية في تكوين المجتمع الدولي المرتقب، فليس من المعقول لثقافة حية ومتأصلة كالثقافة السعودية ألاّ يكون لها تأثير على المسرح الدولي. والمملكة وما تشهده اليوم من نهضة ثقافية تشبه فلورنسا بإيطاليا التي انطلق منها عصر النهضة منذ ثماني مئة عام وانتشر في جميع أنحاء أوروبا. فإنشاء وزارة للثقافة واختيار رجل بحجم الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان؛ ليقود دفتها لهو إيمان راسخ بأهمية الثقافة كالمرتكز الأقوى للنهضة، ثم جاءت الخطوة الثانية لتجسيد هذا الإيمان من خلال البُشرى التي زفها سمو وزير الثقافة والمتمثلة في برنامج الابتعاث الثقافي. حيث يشتمل هذا البرنامج على مسارات ثلاثة وهي: المسار الأول: الطلاب والطالبات السعوديون الدارسون حالياً على حسابهم الخاص في الخارج، حيث سيتم ضمهم إلى البرنامج وفق لوائح وآليات محددة. والمسار الثاني: يشمل من تقدموا مسبقاً بطلبات ابتعاث لدراسة الثقافة والفنون ولديهم قبول من الجامعات المعتمدة، حيث سيتم ابتعاثهم في العام 2020م فور استكمال متطلبات البرنامج، والمسار الثالث: يشمل من يرغب بتقديم طلب جديد للانضمام إلى البرنامج، حيث تبدأ الدراسة في العام 2021م. وستشمل درجات الابتعاث: البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، وتتضمن التخصصات الدراسية: الموسيقى والمسرح والفنون البصرية وصناعة الأفلام والآداب وعلم الآثار وفنون الطهي والتصميم وفنون العمارة، ومما من شك بأن برنامج بهذا الثراء والتنوع سيساهم في عصر النهضة السعودي الذي سيجعل من المملكة العربية السعودية وإشعاعها الثقافي فلورنسا الشرق الأوسط.

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up