رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد الأحمري
فهد الأحمري

أول مداهمة للهيئة

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

وصلني مقطع ساخر يتحدث عن مشهد لشاب سعودي يريد ترفيه نفسه، لكنه لا يدري كيف يفعل سوى أن يقوم بالمشي "راجلاً" وسط الطريق العام على صوت "شيلة" حزينة معرضا نفسه لخطر السيارات. في هذه الأثناء تلمحه دورية ‪"‬هيئة الترفيه‪"‬ التي تُوقف سيارة الجمس بجانبه ويترجل منها أشخاص ملثمون ليحملوه ويضعوه في شنطة السيارة. يذهبون به لغرض ترفيهه غير أنهم لا يجدون إلا ألعاب الأطفال. لا بأس، فالجود من الموجود. يصعدون به "الزحليقة"، شخص أمامه وآخر خلفه لتعليمه والتنفيس عنه ثم يلاعبونه "فتّحي يا وردة"! وجد نفسه سعيدا مبتهجا واطمأنت دورية الهيئة لقيامها بدورها المنوط بها "افتراضاً" لترفيه المواطن المغلوب على أمره من خلال الأدوات المتوافرة لديها حالياً. في مقال قديم يتحدث عن "السعودي المبتهج" الباحث عن البهجة داخل وخارج وطنه، حتى إنك لا تجد موضع قدم إلا وأثر خطاه قد جابت الطرقات في أصقاع الأرض. وهو أيضاً في الصف الأول في الحفلات والمسارح والمناسبات الخارجية، وفي الطابور الطويل أمام شباك دور العرض السينمائية. وإذا علمنا بأن السائح السعودي يحتل المركز الأول عالمياً في الإنفاق على السفر والسياحة حسب تقرير نشره موقع "ترافيلر ديلي" المتخصص في شؤون السياحة، علمنا لماذا هناك دول يقوم اقتصادها على السائح السعودي، وكيف أن حكومات تعدل أوقات أحداثها وبرامجها من أعمال وعطلات ومهرجانات لتتوافق مع عطلات السائح السعودي وتتناسب مع مزاجه وثقافته الفردية والعائلية. وفي تقرير أعده مركز ماس المختص في المعلومات والأبحاث السياحية عن حجم إنفاق السعوديين في السياحة الخارجية بلغ نحو 96‪.‬2 مليار ريال خلال 2015 بزيادة 26‪.‬9 مليار ريال عن عام 2014، ما يعني أن الإنفاق سنة 2016 قد يصل لـ123 مليار ريال وهو أكثر من ثلث العجز في الميزانية البالغ 326‪.‬2 مليار ريال. وعليه، فإن الترفيه أصبح ضرورة وطنية، وليس ترفاً لكونه مطلبا سياسيا اقتصاديا للوطن‪ ومن يعارضه فهو يعارض استقرار الوطن والمواطن ويقوده لمخاطر اقتصادية كبرى، لاسيما أن عبارة "الإفلاس التام" الخطيرة جدا قد وردت في لقاء ولي ولي العهد مع "بلومبرج"، عندما قال مستشاره المالي في نفس اللقاء "لو بقي وضع الإنفاق عند مستويات شهر أبريل من العام الماضي لتعرضت المملكة "للإفلاس التام" خلال عامين فقط، في أوائل عام 2017 " كذلك، فإن سياسة إحلال الترفيه سيكون لها دور في تخفيض التحويلات الأجنبية السنوية التي تستنزف اقتصاد البلد والبالغة 157 مليار ريال إضافة لمساهماتها في إيجاد مصادر دخل للمواطن السعودي. يتقطع القلب كمداً على شباب يمثلون 70%‬ من مكونات الوطن البشرية لا يجدون سوى الأرصفة ملتقى لهم، والمخططات المسفلتة ملاعب لهم والطعوس متنفساً لهم، فضلاً عن مقاهي الشيش والتفحيط وتجمعاتها الموبوءة والشبكة العنكبوتية ومصائدها، كل هذا بسبب انعدام الترفيه . السؤال المطروح هنا عن ماهية الترفيه المقصود الذي بالتأكيد سيتوافق مع الشعيرة الإسلامية التي هي دستورنا وطناً ومواطنين وشرف نعتز به. الأزمة تكمن في أن البعض يتصور الترفيه ماخورات وخمارات، مراقص داعرة وسينما فاجرة ومسارح سافرة! كل ما هنالك هو إعادة لما كنا عليه لكن بطريقة استثمارية ترفيهية محترفة. إعادة للمسرح ‪"‬المغيب‪"‬، ودور عرض السينما التي تعرضت للوأد بعدما كانت حاضرة في الأندية الرياضية، والسهرات الغنائية التي تم اغتيالها. ورغم أن إباحة الغناء هو قول الجمهور كما هو مبسوط في مواضعه من كتب الفقه إلا أننا أخذنا بالأشد، ربما درءاً للمفسدة "في ذلك الحين الغابر" بينما الآن علينا الأخذ بالإباحة درءاً للمفسدة أيضاً بسبب تغير العصر، لا سيما والمسألة من الفروع الخلافية الصغيرة. ففي خلال ساعة ونيف، يسافر الشاب السعودي للخارج لحضور حفل لأخيه الفنان السعودي! الحفل لا يتجاوز الساعتين إلى الثلاث ساعات على الأغلب لكن الشباب يمضون هناك يومين إلى الثلاثة أيام على الأقل، يتلقفهم من يوقعوهم في مصائد الهلاك من خمور ومخدرات وماخورات. ألسنا نحن المسؤولين عن سقوط شبابنا "خارجيا" في المحرم المجمع عليه بسبب تشددنا في المحرم المختلف عليه؟! أين اعتبارات المصالح والمفاسد هنا؟ وهل الانغلاق والحرمان دون مسوغ إلا سبب من أسباب التعاسة والكآبة وربما التطرف.
نقلا عن الوطن

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up