رئيس التحرير : مشعل العريفي
 مشعل السديري
مشعل السديري

عين العقل

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

وزير الآثار في مصر أعلن قبل مدّة، أن هناك خطة استراتيجية متكاملة لتطوير المناطق الأثرية في مصر من خلال شركات عالمية كبرى. وما أن أعلن عن ذلك حتى قامت الدنيا ولم تقعد من فئات جاهلة، وكأن الوزير بإعلانه ذلك سوف يبيع آثار مصر. وآثار مصر تستحق أن تكون في وضع أفضل بمراحل مما هي فيه. لا أقول: أعط الخباز خبزه حتى لو أكل نصفه، ولكن أعط أصحاب الخبرات الذين أبدعوا في هذا المجال فرصة لكي (يحولوا الفسيخ إلى شربات). الكثير من الأعمال الحضارية التي قامت في مصر أولى بداياتها من حملة (نابليون)، عندما جلب معه ما لا يقل عن مائة من العلماء والأطباء والمهندسين والفنانين، وخلال ثلاثة أعوام وبعد أن رحلوا أخرجوا كتاب (وصف مصر) المكون من عدة أجزاء، والذي لفتوا به أنظار العالم إلى مصر. وكل الأعمال التي نفذها (محمد علي) كانت من اقتراحات الأجانب، ابتداء من البعثات الدراسية، إلى تحديث الجيش، إلى شق الترع، إلى القناطر الخيرية، والقاهرة الحديثة في عهد ابنه (إسماعيل) التي خططوا شوارعها وصمموا بناياتها على نمط العواصم الأوروبية كلهم أجانب. وقناة السويس هي فكرة أوروبية، ولأول مرة تخرج القاهرة من نطاقها الضيق حول النيل، إلى الصحراء الواسعة، بدأها البارون (إمبان)، عندما أنشأ حي (مصر الجديدة)، بما فيها من نوادٍ وسينمات وجوامع وكنائس ومدارس وقصور وفنادق ومستشفيات وحدائق و(ترماي). بل إن المتحف المصري الذي أنشئ عام 1897 في ميدان التحرير كان اقتراحاً فرنسياً، وبعد قيام مشروع السد العالي، وخوفاً من غرق معبد (أبو سمبل)، استطاعت التبرعات والعقول الأجنبية أن تنقله بكل حجارته وتماثيله إلى مرتفع يعصمه من الماء -ولولا ذلك لأصبح في خبر كان. وكل الاكتشافات ابتداء من (حجر رشيد) وحل لغز اللغة الهيروغليفية، إلى معبد الكرنك، إلى اكتشاف تمثال خفرع، إلى الوصول إلى مدفن توت عنخ آمون، كلها وغيرها ساهم الأجانب في إظهارها. وباعتراف (فاروق حسني) وزير الثقافة الأسبق: إن فكرة مشروع المتحف الكبير عند الأهرامات، هي فكرة صديق له إيطالي. الخلاصة أن مصر التي تحوي ما لا يقل عن (60 في المائة) من الآثار القديمة في العالم، وفيها الأرض الفسيحة والنيل والشواطئ والقرب من أوروبا، كيف يكون دخلها من السياحة أقل من دخل إمارة (دبي) التي لا تعتمد على البترول إلاّ بـ(3 في المائة) فقط من ميزانيتها، أما الباقي فهو من الاستعانة بالشركات العالمية الكبرى -وهذا ليس عيباً، بل هو عين العقل.
نقلا عن الشرق الأوسط

arrow up