رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد الأحمري
فهد الأحمري

الأمير يتجسس

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

في جوف الليل البهيم، يتجول الأمير في أنحاء العاصمة المعتمة ومعه سيد من سادات المسلمين، «بدريّان» يتلألآن في الطرقات بشعاع طلعتهما وصفاء قلبيهما وجلاء مرامهما، يبحثان عن البائس والمعوز والعفيف والمعترّ.
يرى الأمير وعضيده أن هذا خير لهما من قضاء الليل سجّداً ركّعاً بين يدي ربهما، بينما الرعية تعاني الشقاء واللأواء. ولكم أشبعوا وأصلحوا وواسوا في ليال سابقات ولاحقات، غير أن «الصيدة» هذه الليلة لم تكن ملهوفا ولا مُعدما ولا معترّاً بل «شلة» من السكارى وهم في حالة من النشوة، تاركين الباب موصدا يومض من خلاله سراج من بعيد، فانطلقا يؤمّانه حتى إذا ما اقتربا منه، إذا بأصوات قوم متصاعد صخبهم، قال أمير المؤمنين عمر لصاحبه: أتدري بيت من هذا؟ قال لا. قال: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف، وهم الآن شُرّبٌ أي «شربانين»، فما ترى؟ قال البدري عبدالرحمن بن عوف: أرى أنا قد أتينا ما نهى الله عنه في قوله (ولا تجسسوا) ولقد تجسسنا. انصرف عنهم عمر رضي الله عنه وتركهم.
لم يقل ابن عوف أنا المبشر بالجنة أسرع بنا نداهمهم وهم متلبسون بالجرم المشهود كما كان يفعل بعض المحتسبين، ولم يقل الفاروق أنا الخليفة ولا أحتاج لتصريح بالمداهمة.
وفي ليلة أخرى من الليالي العمرية، جاءه أحد المحتسبين مهرولا، يروم أن يحصل على السبق لإيصال بلاغ عن جنحة سكر وربما خلوة غير شرعية. هرع عمر رضي الله عنه حتى ولج بيت المذنب وكان أبا محجن الثقفي، فإذا ليس عنده إلا رجل فقال أبو محجن: إن هذا لا يحل لك. فقد نهاك الله عن التجسس. فخرج عمر وتركه.
من أهم اشتراطات الأمر بالمعروف ألا يؤدي إلى منكر، فكيف إذا كان الأمر المنكر عليه قد جاء فيه وعيد، ففي حديث البخاري «من استمع لقوم وهم له كارهون صُبّ في أذنه الآنك يوم القيامة».
ورغم أن الحديث السابق في صحيح البخاري إلا أنه لم يشتهر كما اشتهر الحديث المكذوب على النبي ﷺ (من استمع إلى قينة «مغنية» صب في أذنيه الآنك يوم القيامة).
في كتاب حقوق الإنسان وحرياته في النظام الإسلامي، ذكر كاتبه أن من يحتسب بطريقة التجسس يخرق عدة حقوق أساسية مؤكدة شرعاً منها: حقه في حرمته في مسكنه، حقه في حرية شخصه باطلاعه على سره. هذا من جهة ومن جهة أخرى يكون المتجسس قد أباح وسيلة محرمة للوصول إلى غرض، وسواء كان هذا الغرض محرما أو مباحا، فإن ذلك محظور، لأنه إن كان الغرض محرما فالوسيلة إليه محرمة، وأما إذا كان الغرض مشروعا فلا يصح أن يسعى إليه بوسيلة محرمة؛ لأن الغاية تأخذ حكم الوسيلة.
حين نستذكر هذه المعاني فإننا نستذكر زمن الغلاة الذين كانوا يتجسسون على الناس، ويداهمون مساكنهم ويفترون عليهم باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رغم أن هذه الشعيرة بريئة من سلوكهم.
نقلا عن الوطن

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up