رئيس التحرير : مشعل العريفي
 د.بدر بن سعود ال سعود
د.بدر بن سعود ال سعود

الجمارك خط الدفاع الأول

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

الجمارك السعودية تمثل الجهاز الحكومي الأكثر تطوراً في الدولة، فقد شهدت تحولاً كبيراً في أعمالها وقفزت بالمملكة من المرتبة 158 إلى المرتبة 86 في مؤشر التجارة عبر الحدود، الصادر ضمن تقرير البنك الدولي لسنة 2020، ولعل هذا يعود إلى أتمتة إجراءاتها في منصة (فسح) الإلكترونية، وخفضها لوقت فسح البضائع من 12 يوماً إلى أقل من يوم، وتقليص المستندات المطلوبة للاستيراد والتصدير من 12 و9 مستندات إلى مستندين لكل منهما، وخفض معاينة البضائع اليدوية من 50 في المئة إلى 10 في المئة، بفضل الاستهداف الذكي الذي يوظف تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات، ويعتمد على مئات المعلومات في تحديده لمستوى خطر كل إرسالية، ولا يأخذ بحدس الموظف إلا في حدود ضيقة، والجمارك السعودية تستلهم في أعمالها تجربة سنغافورة الرائدة والممتدة لأكثر من مئة وثماني عشرة سنة.
رسوم الجمارك ومعها رسوم الجوازات والمؤسسات الخدمية المشابهة، تدخل في خانة الإيرادات غير النفطية، التي تحاول الدولة تعظيمها والتركيز عليها بشكل أكبر، وبما يحقق وصولها إلى الترليون ريال في السنوات العشر القادمة، ويكفي أن نعرف أن الإيراد الصافي لرسوم الجمارك في سنة 2019 وصل اإلى 26 مليار ريال، واعتقد أن الرقم لا يبتعد كثيراً في رسوم الجوازات والمرور والبلديات، وبإجمالي تقديري يتجاوز المئة مليار من أصل 315 مليار ريال غير نفطي، ونسبتها الحالية من الإيرادات العامة للدولة 34 في المئة، والمطلوب مضاعفتها.
ربما تصور بعض من يقرأ أن الجمارك تقدم حالة مثالية، وهذا التصور غير صحيح في جزء منه، فالجمارك تواجه صعوبة في ضبط التدفقات المالية غير المشروعة، ومن بينها، التلاعب بأسعار السلع والفواتير لخفض الرسوم الجمركية، أو تهريب الممنوعات والتهرب الضريبي، وقد وضعت تنظيما ودياً لمعالجة المشكلة، وقدمت مبادرة التصحيح الذاتي لتمكين المستوردين من تصحيح بياناتهم الجمركية، وفي حال اكتشافها لتحايل ضريبي، فإنها تقوم بتغريم المخالف وحبسه، فقد كلفها السابق خسائر في ايراداتها تجاوزت السبعة مليارات ريال خلال الفترة ما بين 2015 و2018.
علاوة على أن رواتب غالبية موظفي الجمارك، مع العلاوات والبدلات، تصل في أحسن الأحوال، إلى عشرة آلاف ريال، ولا يوجد لديهم تأمين طبي مجاني يوازي حجم المخاطر والتهديدات المحيطة بهم، وهذه أمور لا يمكن تأجيلها ولا بد من حلول عاجلة تناسبها، وقد استوقفتني دراسة مسحية تناولت العوامل المؤثرة في الفساد الإدراي بالجمارك السعودية، وقرأت في توصياتها عن ضرورة الموازنة بين رواتب موظفي الجمارك ومتطلبات الحياة المتزايدة، وبطريقة تجنبهم احتمالات الفساد، لأنهم مستهدفون بمغريات مستمرة قد تدخلهم في دائرة الرشوة.
الجمارك تحتاج كذلك لإعادة النظر في مسألة الفسح المؤقت للبضائع التي لا تحمل شهادة مطابقة سعودية، بانتظار نتائج اختبار عيناتها، وما يترتب على فسحها من مخالفات كبيع البضاعة المخالفة وعدم التجاوب مع الجمارك، بجانب تفعيل دور الانتربول لمعالجة ورطة الاحكام الغيابية، وتطوير زي عسكري وسلمين وظيفيين بمراتب مدنية ورتب عسكرية، وبما يحقق استفادة المدنيين من بدلات وعلاوات العسكريين، ويجعل الموظف المدني يتفرغ للتحصيل الجمركي، بينما توكل مهام الضبط والتفتيش والتحقيق للعسكريين، كما يحدث في أميركا وبعض الدول الأوروبية، والدول العربية الرائدة كالإمارات والكويت وعمان ومصر والأردن، فالجمارك خط دفاع أول عن سيادة الوطن وعن أمنه الاقتصادي ونسيجه الاجتماعي.
نقلا عن الرياض

arrow up