رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد الأحمري
فهد الأحمري

رسالة الخميني السرية

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

بعث قائد الثورة الإيرانية الخميني رسالة موجهة إلى رئيس الجمهورية آنذاك "علي خامنئي" سنة 1988 يقول فيها: "كان يبدو من حديثكم في صلاة الجمعة أنكم لا تؤمنون أن الحكومة التي تعني الولاية المخولة من قِبل الله إلى النبي الأكرم مقدمة على جميع الأحكام الفرعية. ولو كانت صلاحيات الحكومة "أي ولاية الفقيه" محصورة في إطار الأحكام الفرعية الإلهية، لوجب أن تلغى أطروحة الحكومة الإلهية والولاية المطلقة المفوضة إلى نبي الإسلام، وأن تصبح بلا معنى..". ويضيف الخميني في رسالته: ‪"‬ولا بد أن أوضح أن الحكومة شعبة من ولاية رسول الله المطلقة، وواحدة من الأحكام الأولية للإسلام، ومقدمة على جميع الأحكام الفرعية حتى الصلاة والصوم والحج‪"‬. إذن، فالحكومة الإيرانية، عند المرشد الأعلى، هي من الأحكام الأولية للإسلام لدرجة أنها مقدمة على الصلاة والصوم والحج، إذ تعد "عند الخميني"، من الأحكام الفرعية رغم أنها من الفرائض المهمة الإلهية، كما يتضح في الفقرة التالية عن مهام حكومته التي هي "ولاية الفقيه" فيقول: "وتستطيع الحكومة أن تلغي من طرف واحد الاتفاقات الشرعية التي تعقدها مع الشعب إذا رأتها مخالفة لمصالح البلد والإسلام. الحكومة تستطيع أن تمنع من الحج الذي يعتبر من الفرائض المهمة الإلهية". أي أن ولاية الفقيه بإمكانها منع الشعب الإيراني من الحج وغيرها من الفرائض كالصلاة والصوم عدا الزكاة "الخمس"، بالطبع، والتي من المؤكد استحالة منعها، لأنها أموال تدخل جيوب المتنفذين. لغة الرسالة ناشئة عن غضب المرشد العام على رئيس الجمهورية حينها، وسبب ذلك، كما يقول الباحث شفيق شقير، أن الخميني أعطى وزير العمل آنذاك صلاحية تطبيق قوانين لم تضف إلى الدستور بعد، مما أثار غضب رئيس الحكومة. ختم الخميني الرسالة بعبارة قاسية، يصف فيها خامنئي بالجاهل في معرفة "ولاية الفقيه المطلقة" قائلا: "وما قيل حتى الآن وما قد يقال ناشئ من عدم معرفة الولاية المطلقة الإلهية". ورغم ذلك، فإن علي خامنئي هو المرشد العام الآن، وقائد ولاية الفقيه التي كان يصفه الخميني بالجهل بها! وللتعريف بولاية الفقيه، فهي عبارة عن مصطلح سياسي ظهر حديثا في الفقه الشيعي، وهي تعطي الفقيه الولي حق النيابة عن المنتظر والإمام المعصوم، وتعطيه الحق في قيادة الأمة وإقامة حكم اللّه على الأرض، ومن ثم فللفقيه حق التشريع فيما يستجد من حوادث الزمان. غير أن كثيرا من المراجع الشيعية لا تعترف بولاية الفقيه هذه، ومنهم السيد محمد حسين فضل الله، المرجع الشيعي الذي يرى أن ولاية الفقيه نظرية لا يراها أكثر فقهاء الشيعة، ومن بين من لا يراها من الشيعة، رئيس الحوزة أبو القاسم الخوئي، ومحسن الحكيم المرجع لعموم الشيعة في زمانه وهو شيخ علي السيستاني المرجع الحالي الكبير. واختُلف في تاريخ ولاية الفقيه، فقيل هي فكرة حديثه الظهور من إبداعات الخميني أو النراقي "توفي عام 1245" على أحسن الأحوال، بدليل أن العلماء المتقدمين لم يشيروا في كتاباتهم إلى مسألة ولاية الفقيه التي تعني قيادة وإدارة المجتمع الإسلامي بشكل مستقل. وقيل إن الفكرة مستوحاة من الحلولية التي دخلت على المذهب الشيعي. وقد لجأ الخميني إلى هذه الفكرة لإقامة دولته، ووظف هذا المصطلح الحديث على الفكر الشيعي، رغم معارضة كثيرين له، إذ إن المؤيدين له أيدوه قائدا ثوريا ولم يؤيدوه زعيما دينيا على نظرية "ولاية الفقيه" التي احتج عليها الجناح الديني الشيعي، وذهب بعضهم في معارضة الخميني ونظريته إلى حد جعلهم يقولون "إن ولاية الفقيه المطلقة لا أساس لها في الفكر الشيعي"، كما نقله مصطفى اللباد في حدائق الأحزان، وذكر أول خطاب للخميني بعد الثورة في الخامس من فبراير 1979، إذ أكد أن معارضة الحكومة هي مثل المعارضة لحكم الإله! ما قام به الخميني، ويقوم به خامنئي الآن، هي ممارسات أُلبست لبوس الشرعية الإسلامية الشيعية، من خلال ابتداع ولاية دينية تفتق بها ذهن الخميني إبان ثورته، رافعا شعار الحرية للشعب الإيراني، ثم عاملته بأقصى أنواع الدكتاتورية. حديثنا هنا ليس عن الطائفية، ولا عن نقض المذهب الشيعي المعتدل الذي هو محل الاحترام، بل عمن أعطى لنفسه أكثر مما يعطَى لرسول الله، عليه الصلاة والسلام، وأناب نفسه عن الله في الأرض، تحت مسمى "ولاية الفقيه" التي، وإن كانت مذكورة عند متقدمي الشيعة، إلا إنها كانت خاصة بمسائل الإفتاء، وليست متعلقة بالولاية العامة التي تُعنى بأمور السياسة وإقامة الدولة، فهذا شأن آخر يخص الإمام الغائب، بحسب إحدى طوائف المذهب الشيعي. وإذا كانت هذه الدولة الإيرانية قد قامت على نظرية "ولاية الفقيه" التي من حقها أن تفعل ما تشاء بالرعية، نيابة عن الإله وعن المعصوم، إذ إنه بمقدورها إلغاء شعائر كالصلاة والحج، فإن مصيرها الزوال، بفضل النظرية ذاتها التي لا يقبلها صاحب عقل بصير، إذ إن المواطن الإيراني المغلوب على أمره، والذي هو محل تقديرنا واحترامنا وتعاطفنا، نقل لنا مشاعر الاستياء جراء الحياة الدكتاتورية التي يعيشونها جميعا، والحكم الفردي الاستبدادي الذي أورثهم الدمار والفقر والعزلة بشؤم تلك النظرية الحمقاء، وطالما أن الحج من الأحكام الفرعية في "ولاية الفقيه"، كما رأينا في خطاب الخميني المذكور آنفا، فإن الحكومة الإيرانية لا يعنيها أداء حجاجها فريضة الحج التي تتطلع أفئدة المسلمين إليها، بقدر حرصها على إثارة المشكلات التي لديها هوس إضرام نارها كل حين، واختلاق القضايا لإضافة مزيد من التوتر في العلاقات بين البلدان عموما، والسعودية خصوصا. من أهم مقاصد شعيرة الحج العظيمة تذكير المسلم بالوحدة والتجرد من الانتماءات، فالناس سواسية في لباسهم وأعمالهم وشعائرهم وقبلتهم، لا فرق بين المذاهب والألوان والجنسيات، ومع هذا، فإن إيران تريد أن تجعل لها خصوصية باشتراطات معينة. ولك أن تتخيل وجود مسلمين في 200 دولة من هذا العالم، منها المسلمة، ومنها من لديها أقليات مسلمة، وأن كل دولة لها اشتراطات معينة، فكيف سيتم التعامل معهم؟ هذا ضرب من المستحيل، ومخالف لمبدأ الوحدة في الشعيرة المقدسة، والمقصد من هذا هو التعجيز وإثارة البلبلة في قضية إدارة السعودية للحج، والذي أثنى عليه كل مسلمي العالم أجمع، ما عدا جمهورية إيران التي رأت أن إلغاء الحج هو الحل!
نقلا عن الوطن

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up