رئيس التحرير : مشعل العريفي
 د.بدر بن سعود ال سعود
د.بدر بن سعود ال سعود

كورونا طاعون العالم الجديد

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

حتى المافيات أصبحت تقوم بأدوار مهمة لمكافحة فيروس كورونا، فقد قامت المافيا في البرازيل بمنع المواطنين من خرق منع التجول، وقالت بأنها ستراقب المسألة بجدية، تبرعت المافيا في إيطاليا بسبعة مليارات دولار لمساعدة الحكومة الإيطالية في مواجهة الجائحة، وتصل مداخيل المافيا في إيطاليا إلى ما نسبته 11 في المئة من إجمالي الناتج القومي الإيطالي، وقد استفادت من الأزمة، وقدمت دعماً مالياً لإنقاذ المؤسسات المتوسطة والصغيرة، وهذا الأسلوب مكنها من التمدد واستقطاب شريحة واسعة لأعمالها الإجرامية، وخصوصاً داخل الأحياء الفقيرة في مدينتي باليرمو ونابولي.
في المقابل أصدر وزير العدل الإيطالي مرسوماً بإطلاق المساجين من أصحاب الأمراض المهددة للحياة، والذين تجاوزت أعمارهم سن السبعين، وكانت النتيجة الإفراج عن مئتين وستة وسبعين رأساً من رؤوس المافيا، ولا ندري إذا كانت هناك علاقة بين خروج هؤلاء من السجن وبين التبرع الذي قدمته المافيا، وفي كل الأحوال، العقوبات البديلة تحولت إلى ممارسة أمنية مفضلة في الدول الأوروبية وفي أميركا، والغرض من هذا الإجراء هو جعل السجون أقل ازدحاماً، وأكثر التزاماً بالإجراءات الاحترازية التي تحول دون انتشار الوباء في داخلها.
الإرهاب القادم لن يكون من جماعات الإسلام السياسي، وإنما من الفيروسات المتطرفة في خطورتها، فالأمن الصحي تحول إلى موضوع يؤثر في أمن وسيادة الدول ويتحكم في قراراها السياسي والاقتصادي، وأجهزة الأمن في دول العالم الأول تفكر في توظيف خبرات طبية في مجال الفيروسات والأوبئة، وبحيث تكون ضمن الطاقم الأمني المعني بالتعامل مع الأزمات والكوارث، وقد بدأت الصين باستخدام برمجيات تتعقب الجوالات لمواجهة كورونا، ووظفت روسيا تقنية التعرف على الوجوه في متابعة المخالفين للإجراءات الاحترازية، واعتمدت بعض الدول على حواجز الرصد الإلكترونية، والأخيرة تقوم بالابلاغ الآلي عن تفاصيل كل حالة خروج غير نظامي من مواقع العزل.
كورونا ليست شراً بالمطلق، فقد تراجعت بسببها معدلات الجرائم إلى مستويات غير مسبوقة، ولدرجة أن سرقات المنازل حول العالم انخفضت بنسبة 97 في المئة، وقلت حوادث المرور في أميركا بنسبة 99 في المئة، علاوة على أن الحجر الصحي رفع من معدلات جرائم العنف الأسري بدرجة كبيرة وبعضها تطور إلى القتل، وتورطت فيه شخصيات معروفة ومشاهير، ما قاد الأمم المتحدة إلى مطالبة المجتمع الدولي بحماية النساء والقصر من العنف الأسري، وزادت الجرائم الإلكترونية بأنواعها وجرائم الكراهية والعنصرية ضد الآسيويين، وسجلت حالات تنمر ضد الأميركين الصغار من أصل صيني في المدارس الأميركية، وانتعشت تجارة المخدرات، بعدما دخل إليها مدمنون جدد على الكوكايين والماريجوانا والكيتامين، وصارت طلباتهم تصل مع البيتزا، أو في حاويات الوجبات السريعة، وعن طريق تطبيقات التوصيل.
التاريخ يعيد نفسه باستمرار وإن اختلفت تفاصيله، وهناك من يقارن بين كورونا وجائحة الطاعون التي أصابت أثينا القديمة في سنة 430 قبل الميلاد، وتكلم عنها هوميروس في ملحمة الإلياذة، وفيها تراوحت مواقف الناس بين الشهامة والخسة، كما هو الحال في الأعمال الجليلة لكوادر الصحة في زمن الكورونا، مقارنة بمن يستغلون الأزمة لخدمة مصالحهم الشخصية، وبدون احترام لكرامة الإنسان وحقوقه وأدميته، وفي ذاك الزمان تفوقت أثينا بروحها القتالية وقوتها الذاتية على الطاعون، وأصبح أهلها سادة العالم، والسعوديون أقرب من غيرهم لتحقيق هذه السيادة في مواجهة طاعون كورونا.
نقلا عن الرياض

arrow up