رئيس التحرير : مشعل العريفي
 د. فهد العتيبي
د. فهد العتيبي

موت المثقف

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

قادت قضية درايفوس الشهيرة في نهايات القرن التاسع عشر الميلادي إلى ولادة مفهوم المثقف بمعناه الحديث. لقد اتهم هذا الضابط اليهوديّ في الجيش الفرنسي في العام 1894م بالخيانة وإفشاء أسرار فرنسا العسكرية للسفارة الألمانية في باريس. وبناء على ذلك تم نفيه خارج فرنسا والحُكم عليه بالسجن المؤبّد على الرغم من عدم اعترافه. فثارت الاحتجاجات في فرنسا وانقسم المجتمع الفرنسي بين مؤيد له وبين معارض لا سيما بعد ما تبيّن أن القضية مدبّرة، وأن المتّهم الحقيقي فيها ضابط فرنسي آخر. حيث تبنى مجموعة من الناس الدفاع عنه ومنهم إميل زولا الذي دشن يوم نشر رسالته ميلاد مفهوم المثقّف، أي الكاتِب أو الفنان المهتم بالشأن العام والمُدافِع عن المظلومين. ومَن يندب نفسه لتصحيح الأخطاء التي ترتكبها السلطة أو المجتمع.
وقد لعب هؤلاء المثقفون هذا الدور لفترات طويلة وإن لم تكن جميع المعارك التي خاضوها لصالح المهمشين والمستضعفين فهناك بعضها خاضها هؤلاء بحثاً عن مصالحهم الخاصة. فالمثقف كإنسان له أهدافه وتوجهاته التي قد تسيره وهو لذلك لا يختلف عن الناس الذي يدعي تمثيلهم. لذلك نجد ميشال فوكو يرفض أي دور للمثقف الغربي الذي ينوب عن الجماهير ويحل محلها في التعبير عن همومها ومشكلاتها ومعاناتها باعتباره إنساناً له مصالحه وليس كائناً يعيش فوق الجاذبية الاجتماعية.
ولكن هناك العديد من المستجدات التي قادت إلى دور الوسيط هنا والذي كان يلعبه المثقف. حيث قادت ثورة المعلومات إلى تدفق المعلومات بشكل غير مسبوق مما قضى على احتكار المثقفين للمعرفة. وبذلك فقدوا أحد أهم مرتكزات قوتهم، حيث أصبح الجميع قادراً على الوصول إلى المعرفة والاستفادة منها.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، فقد مكنت ثورة وسائل التواصل الاجتماعي الجميع من التعبير عن أنفسهم. وبذلك انتفت الحاجة للمثقفين للقيام بهذا التعبير. حيث أصبح بمقدور أي إنسان أن يعبر عن رأيه وتوصيله للعالم أجمع. هذا كله يحتم على المثقفين أن يبتعدوا عن وهم امتلاك المعرفة وتمثيل الحقيقة المطلقة ومماحكة السلطة باسم الجماهير. لأن ذلك يخلق ثنائية تصادمية السلطة/ المثقف أو السلطة/ المجتمع، وهذا يقود إلى تفكيك المجتمع.
نقلا عن الرياض

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up