هارون الرشيد وصدمة طلاب القصيم

وقعت عيني على عنوان مقال للكاتب الدكتور محمد المحمود في جريدة المرصد الالكترونية بعنوان "المحمود” يكشف كيف صدم طلابه بجامعة القصيم بعدما روى لهم ملامح من حياة لهو الخليفة “هارون الرشيد” مع الجواري والمغنيات" حيث يستعرض الكاتب في مقاله أن الطلاب صدموا عندما ذكر مظاهر اللهو والعبث في سيرة حياة الخليفة هارون الرشيد وأبنائه ، حيث ذكر ما نصه في حق الأمين " ما رواه الإمام الطبري في تاريخه أن الأمين لما تولى الخلافة انهمك في اللهو، بل وما هو أكثر من اللهو، حتى طلب الخصيان، وابتاعهم، وصيّرهم لخلوته في ليله ونهاره، وقوام طعامه وشرابه، وأمره ونهيه، ورفض النساء الحرائر والإماء، حتى رُمي بهم (يقصد أنه اتّهم بالمثلية الجنسية، ويقول الكاتب كنت أذكر كل هذا، وأرى الدهشة تتسع على وجوه الطلاب، ثم عرج الكاتب على والد الأمين الخليفة هارون الرشيد حيث قال ما نصه "ذكرت لهم معلومات عن الـ2000 جارية في قصره، ذكرت لهم حياة اللهو والغناء، وقصصه المشهورة مع الجواري والقيان والمغنين والمغنيات، وتبديد بيت المال على كل هذا، وعلى الشعراء الذين كان يهبهم الأموال الطائلة مقابل مديح كاذب" الي اخر النص. حقيقة لو تحدثت هذه الحروف لبكت كثيرا بسبب استعراض التاريخ بهذه البشاعة، لا ادري لماذا هذا الجلد لهذه الحقبة من تاريخنا ، شي حزين ان يقدم تاريخ من قال" أيتها الغمامة أمطري حيث شئتِ، فإن خراجكِ لي" ومن قال ايضاً " من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم.. إن الجواب ما ترى، لا ما تسمع " بهذه الدس الغير منطقي والذي لا يعكس الحركه العلمية المزدهرة التي خلدها التاريخ في عصره رحمة الله حيث ذكرت الاخبار التاريخية ان العصر الذهبي للدولة العباسية كان خلال عهد هارون الرشيد وابنه المامون: فيه نشطت الحركة العلمية وازدهرت بشكل كبير وتم تدوين المذاهب الفقهية الكبرى مثل الحنيفية والمالكية والشافعية والحنبلية عند اهل السنة وكذلك الجعفرية والزيدية عند الشيعة وهذا يدل بشكل ثابت الحراك الثقافي في عهده كما الفت الكثير من الكتب ومن اشهرها كتاب الف ليله وليلة كما أنشأ مكتبة بيت الحكمة، التي زوّدها بالكتب والمؤلفات المختلفة من كافة العلوم كل هذا مع تناغم بين جميع الأديان الذين ساهموا بهذه الحضارة تحت الحكم الإسلامي العادل بقيادة هارون الرشيد. لا يمكن ان يصدق عاقل يفكر بمنطق تاريخي واقعي ان هذا الانتاج والحراك الثقافي والازدهار الحضاري في جميع حقول العلم حصل في ظل انشغال الخليفة هارون الرشيد بالجواري والغناء كما تذكر كتب التاريخ المزيف، ووصف هذه الفترة بأوصاف بشعه. لا اعرف لمصلحة من يعرض تاريخنا بهذه الطريقة الفجه المستهتره بميراث كبير من التجارب في جميع حقول الحياه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ونحوه؟! اخيرا ، الخلافة العباسية – هي ثالث خلافه إسلامية بعد بنى امية، دامت 767 سنه، وما نشاهده من بعض الكتب والكُتاب من الانتقاص من خليفة من خلفاء المسلمين واختزال زمنه بالجواري والغناء ومحاولة تشويه هذه الحقبه التي قد ينطبق عليها حديث رسول الله في صحيح البخاري (2652) ، ومسلم (2533) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ ) ويكون مما شملهم هذا الحديث الشريف خاصه مع قربهم من زمن رسول الله صلي الله عليه وسلم واصحابه وكذلك مع وجود التابعين او تابعي التابعين، لذلك رفقاً بالأجيال وقدموا لهم التاريخ الأسلامي كما ينبغي ان يكون، أما النقاط السوداء فهي سنة كونية موجوده لا ينفك عنها اي عصر من العصور السابقة او اللاحقة.