رئيس التحرير : مشعل العريفي
 أ.د.صالح بن سبعان
أ.د.صالح بن سبعان

القطاع الصحي...ورؤية المملكة 2030 !؟

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

لقد أعدت وزارة الصحة كما كشف .. وزير الصحة مشروع نظام صحي جديد يمثل كما قال إعادة هيكلة تامة وشاملة للقطاع الصحي، مؤكداً بأن النموذج المقترح أُعد على ضوء دراسة أُستخلصت من أربع دراسات لنماذج أنظمة صحية عالمية. لأن القطاع الصحي بالفعل يحتاج إلى إعادة نظر جذرية تتواكب مع رؤية المملكة 2030، لا تكتفي بعملية إصلاحيات جزئية هنا وهناك أشبه ما تكون بعمليات الترقيع في أحسن الأحوال، أو بعمليات تسكين للمرض تتركه كما هو وتهتم بإخفاء أو تسكين الأمة فقط. لقد ظللت أنبه إلى ضرورة تفعيل نظام المناطق بمنح إدارتها أكبر قدر ممكن من الصلاحيات الإدارية والمالية ، وتقليص الظل الإداري المركزي بها وإتاحة هامش أكبر من حرية الحركة واتخاذ القرار حسب معطيات واقع المنطقة وإتاحة الفرصة أمام إدارتها المختلفة لدفع روح المبادرة.
فقد ظلت قناعتي دائماً في المملكة شبه قارة، وبالتالي فإن اللامركزية في إدارة أمور الدولة فيها تظل هي الخيار المثالي بين الأشكال الإدارية الأخرى، الأمر الذي دفعني إلى اقتراح خصخصة المستشفيات ن بل حتى والمراكز الصحية للارتقاء بالخدمات الصحية التي تقدمها للمواطن والمقيم. إلا أنني ، وقد أطلعت على عرضٍ لمشروع النظام الصحي الجديد الذي يقترحه وزير الصحة ، أعتقد أن إنشاء مؤسسة عامة للمستشفيات التابعة لوزارة الصحة تؤول إليها ملكية جميع المستشفيات وتتمتع بالشخصية الاعتبارية والذمة المالية المستقلة، يشكل حلاً أوفق، على أن تتولى الوزارة مهمة مراقبة ومتابعة آداء هذه المرافق ومحاسبتها ، وأن تنشئ الوزارة هيئة خاصة بهذه المهمة برأسها الوزير بنفسه لإعطائها القوة والصلاحيات النافذة ، وأن تنبثق منها لجنة ذات صلاحيات قضائية وجزائية تستعين بمن ترى من مستشارين طبيين في مختلف التخصصات تابعين لوزارة ، ولا علاقة لهم بالمستشفيات ، و مستشارين قانونيين وشرعيين، وأن تكون أحكامها ملزمة ونافذة.
عودة للوظيفة الأصل وطالما أنه سيكون لكل منطقة ميزانية مستقلة خاصة لمديريتها العامة للشؤون الصحية ومجلس للخدمات الصحية يقوم بوضع التنظيم الملائم بين مختلف مستويات الخدمات الصحية والصندوق الوطني للرعاية الصحية، مع التنسيق والتكامل بين جميع الجهات المختصة بتقديم الخدمات الصحية في المنطقة.
فإن هذا ولا شك سيرفع عن كاهل الوزارة مهمة تسيير المستشفيات والمرافق الصحية الأخرى ويحرر يدها من هذا القيد الثقيل، لتولي احتماماً أكبر لمهمتها الأساسية وهي الإشراف على السياسة الصحية في المملكة ، وليس الفرق في تفاصيل الخدمة العلاجية المقدمة للمستفيد، وإدارة المرافق الصحية ، ووضع اللوائح الداخلية لسير العمل، وإعداد السياسة الصحية على مستوى مناطق رغم اختلاف ظروف المناطق ، واختلاف نوع ومستوى احتياجاتها الصحية. أما بالنسبة لإصلاح وتطوير مراكز الرعاية الصحية الأولية ، وطالما هي تستقبل نسبة (82%) من المراجعات لمرافق الوزارة ، بينما تحظى المستشفيات بنسبة تتراوح بين ( 75% ــــــ 80%) من موارد وزارة الصحة ، فأن خيار إنشاء مؤسسة عامة للرعاية الصحية الأولية يظل هو الخيار الأكثر ملاءمة من خيار التشغيل رغم الكثير من إيجابياته، طالما أن خيار ((المؤسسة)) يعطي مديريات الشؤون الصحية بالمناطق الحث في ممارسة الصلاحيات المالية الكاملة للإشراف المباشر والمستقل والصرف على مراكز الرعاية الصحية وجميع الأنشطة والبرامج الصحية بالمنطقة ، وذلك بالاتصال المباشر مع وزارة المالية، وفق الإستراتيجية والسياسة العامة لوزارة الصحة. لأن هذا فيما هو واضح يحقق مبدأ اللامركزية في إدارة المرافق الصحية ، بتفويض أكبر قدر ممكن من الصلاحيات المالية للمسؤولين القياديين في المناطق بما يتلاءم وطبيعة الخدمات الصحية التي تتصل بحياة الناس بشكل يومي ومباشر، ويوفر ويمنح الإدارات الصحية بالمناطق قدراً ملائماً للمرونة وسرعة اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، بعيداً عن الروتين الإداري وطول الإجراءات وتعقيدها وتعرج مساراتها.
وهكذا تستقيم الأمور وأخيراً وليس آخراً. فأنني اعتقد أن مشروع هيكلة القطاع الصحي الذي تعكف عليه وزارة الصحة الآن، سيساعد كثيراً لتفرغها للإشراف على السياسة الصحية بالمملكة ، بالطبع إلى جانب توفير المصروفات المالية وتحسين مستوى الخدمات الصحية، والقضاء على المركزية الإدارية، فإن ذلك سيساعد ــــ ضمن إيجابيات أخرى ـــ على الحد من ظاهرة الأخطاء الطبية، طالما افتتحنا بها حديثنا هذا. وذلك عبر طريقتين: -أولها: سهولة تحديد المسؤولية في حال وقوع هذه الأخطاء وغيرها من أوجه القصور الأخرى، وتضييق دوائر المسؤولية على مرافق المؤسسة العامة للمستشفيات. -وثانيها: إتاحة المجال أمام الوزارة لممارسة دورها الرقابي بشكل أكثر تركيزاً ، بعد تخلصها من دورها العلاجي من ناحية . وتفعيل آليات المحاسبة والجزاءات والعقوبات التي تردع من تتجاوز النظم، أو ن يستهتر بالضوابط المهنية والأخلاقية، لتستقيم الأمور في المرافق الصحية بالمملكة على شكل يعكس ما وصلت إليه، ويحقق ما يطمح إليه ولاة الأمر الذين ما تجلوا بكل ما من شأنه الارتقاء بالوطن وتحقيق الرفاه لمواطنيه.

arrow up