رئيس التحرير : مشعل العريفي
 محمد الساعد
محمد الساعد

كورشون.. لن تلبس رواق الخليفة طربوش السلطان !

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

كل مقالات الباحث التركي زكريا كورشون الأخيرة تدور حول قضية واحدة هي محاولة إثبات تركية القباب المبنية فوق رواق الخليفة عثمان بن عفان رضي الله بالحرم المكي الشريف.
وقبل أن نخوض في مسألة «الرواق» وإلى من ينسب حقيقة لا تلبيسا للطرابيش كما يحاول العثمانيون الجدد فعله، علينا أن نُذكر كورشون وهو الباحث التركي -الذي يقدمه أردوغان للدفاع عن مزاعمهم التاريخية- بأن سرقة التاريخ ليست إلا جزءا يسيرا من سيرة العثمانيين الأتراك في سلب كل ما تطاله أيديهم على امتداد سلطنتهم.
لقد قامت انتصارات العثمانيين العسكرية على سرقة حياة الأطفال الأرمن والشركس والأوربيين والعرب وعذابات أسرهم وإقحامهم في حروب لا تخصهم وتحويلهم إلى «انكشارية» يحاربون بديلا عن الجنس التركي، كما قام رفاههم على ما استباحوه من أموال الشعوب المقهورة والمحتلة التي فرضوا عليها الضرائب والمكوس ليبنوا بها قصورهم وحرملك إمائهم.
حتى قطار الحجاز الذي ادعو أنه أنشئ لخدمة الحجاج المسلمين، كان في نهاية الأمر لخدمة الحجيج التركي، ألم يخدعوا العالم الإسلامي عندما نادوهم للتبرع لبنائه، فهب فقراء المسلمين قبل أغنيائهم مقدمين أغلى ما يملكون لبنائه دون يعلموا أنه قطار عنصري تبدأ رحلته من وسط إسطنبول مروراً بالمدن والقرى التركية ليحمل أحفاد أرطغرل إلى الديار المقدسة، بينما بقية المسلمين الراحلين إلى مكة والمدينة بغية الحج والعمرة لا يصلون إلى الحرمين إلا على أقدامهم أو ما تيسر لهم من الجمال بعدما يضنيهم التعب وطول السفر.
ولعلي أذكر زكريا كورشون أنه حتى القباب التي تُظلل رواق الخليفة عثمان بن عفان -رضي الله عنه- ويحاول سرقة مجدها مروجا أن من شيدها هم أسلافه العثمانيون، شيدت بأموال وعمال مهرة جاؤوا من الإقليم المصري.
ودعني أشير هنا إلى كتاب الدكتور محمد بن فهد الفعر الذي جاء تحت عنوان «الكتابات والنقوش في الحجاز في العصر المملوكي والعثماني من القرن الثامن الهجري وحتى القرن الثاني عشر الهجري»، ففيه يؤكد الدكتور الفعر أن عمارة الرواق التي تمت خلال فترة الاحتلال العثماني للحرمين الشريفين على يد سليم الثاني وابنه السلطان مراد إثر هزيمة المماليك، وما تم من إضافة للقباب كانت على يد وإشراف شيخ المهندسين في مصر المعماري العبقري «محمد جاوش»، واستغرق بناؤها أربع سنوات، وكشف المؤلف أن المهندس المصري «جاوش» كان أول من أدخل نظام القباب في عمارة الحرم المكي الشريف، وقد فصل الدكتور الفعر في ذلك كثيرا.
وفي مرجع آخر يشير المؤرخ قطب الدين محمد النُّهْرُوالي (المتوفى عام 990هـ-1583م)، والذي عاش بمكة وعاصر الدولة العثمانية، في كتابه «الإعلام بأعلام بيت الله الحرام»، احتياج المسجد الحرام إلى الترميم والإصلاح في عهد السلطان العثماني سليم خان في عام 979هـ، إذ مال الرواق الشرقي نحو الكعبة الشريفة، وبرزت رؤوس الأخشاب التي كانت تغطي سقفه، وبعد سرد طويل كشف عن تردد السلطان العثماني في تمويل وإصلاح الرواق وعهد بالمهمة إلى المصريين، التي قبل بها أحد أمراء مصر ويُدعى «أحمد بك» فتولى مهمة إصلاح ما تلف من المسجد الحرام، وشرع في تمويل وتجديد أروقة الحرم، وتركيب القباب، وأهلّتها التي صنعت في مصر من النحاس، وطليت بالذهب، كما نقل العمال المهرة والأخشاب من مصر، وغيرها من لوازم العمل؛ ليكتمل العمل في عهد السلطان العثماني مراد بن سليم بعد وفاة والده.
ولعلي أقول هنا للقارئ الكريم أن سبب الحاجة لبناء القباب فوق الرواق كان بسبب تآكل سقفه وتقادمه من آخر بناء له في عهد الأيوبيين، بعدما جُدد عدة مرات بسبب الحريق أو تسرب مياه الأمطار إلى داخله، ولذلك سارع أمير مكة بطلب المساعدة من القاهرة وإيجاد حلول لتصريف مياه الأمطار بعدما يئس من المحتل العثماني، خاصة أن المصريين كانوا متقدمين في العمارة وبناء القباب.
ورسالتي هنا لزكريا كورشون.. بأن الرواق الذي بناه الخليفة عثمان بن عفان وحاولتم سرقة نسبته لتطابق اسم سلطانكم عثمان مع الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه تدحضه المراجع التاريخية التي كُتبت قبل نشوئكم وهجرتكم من أواسط آسيا إلى الأناضول بقرون طويلة..
إذ يذكر الإمام والفقيه المصري بدر الدين الزركشي المولود في القاهرة سنة 745هـ، في كتابه «إعلام الساجد بأحكام المساجد» (تحقيق أبو الوفا مصطفى المراغي) في الصفحة رقم 57 في فصل «ذكر من بنى المسجد الحرام»، إذ يقول نصاً: «ثم لما استخلف عثمان رضي الله عنه اشترى دوراً آخر، ووسعه أيضاً، وبنى المسجد والأروقة وكان عثمان أول من اتخذ الأروقة».
كما يؤكد المؤرخ الدمشقي أبو العباس شهاب الدين أحمد بن فضل الله بن يحيى بن أحمد العمري المولود في دمشق سنة 700هـ، في صفة المسجد الحرام المحيط بالكعبة، مستشهداً بما ذكره الماوردي والأزرقي، بأن الصحابي الجليل عثمان بن عفان هو من بنى الأروقة أثناء خلافته، إذ يقول في الجزء الأول من كتابه «مسالك الأبصار في ممالك الأمصار» (تحقيق أحمد زكي باشا) في الصفحة 105: «ثم لما استخلف عثمان، ابتاع منازل ووسعه بها، وبنى الأروقة للمسجد، فيما ذكر الأزرقي والماوردي وغيرهما».
وكما ترى يا كورشون فالمؤرخان كتبا ذلك قبل أن يأتي أسلافك العثمانيون للجزيرة العربية ويحتلوا الحرمين الشريفين..
ولعلي أفاجئك إذا قلت لك بأن كثيرا من الأسطوانات والأعمدة التي حملت سقف الرواق هي أموية وعباسية وعليها نقوش تؤكد ذلك ومكتوبة باللغة العربية التي من المؤكد أنك لا تجيدها وإن فككت بعض أحرفها.
إن كل ما تفعله الآن يا زكريا كورشون هو محاولة الاستظلال -زوراً- بقباب بناها غيركم وبأموال ليست من أموالكم، لكن بالتأكيد في عهد بائد سرقتموه من حياة أمتنا في الجزيرة العربية والديار المقدسة.
نقلا عن عكاظ

arrow up