رئيس التحرير : مشعل العريفي
 أ.د.صالح بن سبعان
أ.د.صالح بن سبعان

إرهابيون مجرمون ؟ ولكن لماذا صاروا هكذا ؟

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

السؤال : لماذا اتجهوا إلى الظلام ؟ شباب فى مقتبل العمر ، وإنتحاريون ، لماذا اختاروا سلوك طريق الهاوية ؟ هذا هو السؤال الذى يعذبنا .!؟ ثمة إجابة تكرر دائماً فى أجهزة الإعلام : النهم مغرر بهم .أى أن هناك جهات ما تبعث بعقولهم وتغرر بهم وتمارس عليهم ما يمكن تسميته بغسيل الدماغ ، خدمة لأهدافها التخريبية نعم هذا صحيح أن هناك جهات تخريبية تغرر بهم . إلا أننا فيما نلاحظ لا نسال أنفسنا : ولماذا هو قابلون للتغرير بهم ؟ . ما يدعو إلى ضرورة طرح هذا السؤال هو : أنهم لم يكونوا أول مجموعة غرر بهم – وأتمنى من كل قلبي أن تكون الأخيرة – فثمة شواهد عديدة تدل على أنهم أكثر ، هذا إذا عدنا إلى الماضي القريب بما لا يتجاوز فى السنوات عدد أصابع اليدين . لا أريد أن انكأ جرحاً ولكننا إذا عدنا إلى عدد المعتقلين بغوانتامانو ، وعدد منفذى تفجيرات 11 سبتمبر ، وتفجيرات الرياض والخبر وغيرها من الأحداث لإتضح لنا أن العدد يدعو إلى طرح هذا السؤال . كيف لماذا حدث ما حدث ؟ .السباحة ضد التيار *************** نعم هذا ما يسبب الصدمة فعلاً . ففى موقف هؤلاء الشباب شئ ما يتناقض مع حقائق وثوابت كنا نظنها راسخة . من هذه الحقائق ما يتصل بطبيعة مجتمعنا وثقافته وتركيبة بنيته .، ومنها ما يتصل بنظام القيم السلوكية الفردية فيه . فهذا مجتمع يتأسس نظام القيم فيه على العقيدة الإسلامية التى محت طاولته القيمية منذ أكثر من ألف وأربعمائة عاماً ، فأبقت ما صلح وما تطابق من القيم العربية القديمة فيه مع نصوص وقواعد الإسلام وقواعده الشرعية ، ونفت وأبعدت ونسخت ما لم يتطابق من هذه القيم مع قواعد الإسلام وأركانه . وفى أولى قواعد الإسلام الوجودية والمعرفية أن الإنسان هو خليفة الله فى أرضه ، وان الغاية من خلقه هى أعمار الأرض ، لا إفسادها وهدمها وتخريبها وسفك دماء الأبرياء فيها ، وان من قتل نفساً بغير الحق فكأنما قتل النـاس جميعاً . ثم هو مجتمع ظل يحافظ على تماسكه وعلى تمسكه بهذه القيم طيلة آلاف السنوات بفضل سماحته وقدرته على التفاعل السلمى مع الآخر ، وقد ظل هذا البلد يستقبل سنوياً الملايين من حجاج بيت الله الحرام والمعتمرين من مختلف الجنسيات والأعراف والثقافات ، ويقوم على خدمتهم ليؤدوا مناسكهم فى امن وطمأنينة ، أى أن الحفاظ على الأمن والسلامة ، امن وسلامة المجتمع ، وامن سلامة الغرباء هو من القيم المركوزة فى وجدان إنسان البلد الأمين . القلة .. ومستصغر الشرر ********************* إننا نحتاج إلى وقفة مع أنفسنا لنعيد حساباتنا لنجيب على سؤال مفجع مثل هذا . وان هذه الوقفة تحتاج إلى مواجهة حقائق الواقع والصدق مع النفس ، لا تزييف تلك الحقائق أو الهروب من مواجهتها وهذين المطلبين يحتاجان إلى شجاعة أخلاقية . لأننا سنخدع أنفسنا إذا ظللنا نقلل من خطورة هذه المشكلة لنطلق أحكاماً مثل التى تطلقها صحفنا وأجهزة إعلامنا واكتفينا بذلك ، فإذا كانوا ، مثلما يقال فى هذه الأجهزة ، قلة مارقة ومغر بها ، فلنتذكر بـأن (( النار من مستصغر الشرر)) . ولنتذكر بان المملكة دمغت – دولةً وشعباً ومجتمعاً وثقافةً – بالإرهاب ، بسبب من نسميهم ((قلة مارقة)) ، وبعد أن امتد شرهم وعنفهم متجاوزاً حدودها ، وان المملكة تدفع اليوم من رصيدها السياسي فى المجتمع الدولي لتنفى عن نفسها هذه التهمة الباطلة . وان عبث هؤلاء الذين نسميهم ((قلة)) قد اضر كثيراً بدور المملكة فى العالم إذ اثر سلباً على دورها الايجابي للتحرك فى الساحتين الفلسطينية والعراقية ، وفى دورها ونهوضها بمسؤولياتها الإسلامية حين وجدت نفسها فى خانة الدفاع عن النفس ضد تهمة الإرهاب ، وان هذا إنما يتم بتخطيط من القوى الصهيونية التى تستغل مثل هذه الأعمال للترويج لمثل هذه السخافات حتى تبعد عن المملكة بثقلها المعروف عن ساحة الفعل الايجابي . منظور أكثر جدوى *************** إذن لا بد من اقتراح منظور أخر نطل منه على المشكلة ، ولابد من طريقة أخرى للتعامل مع هذا الإشكال ، باعتباره ظاهرة اجتماعية ولن يجدي فتيلاً إن ننفى انتمائهم لنا وللوطن ، فهم منا ، وهم جزء منا لا يتجزأ ، ولن يجدي نفعاً إن تنكر أو ننفيه ، وهم فوق صغار السن ، يافعين ، أي لم يكتمل وعيهم بعد .. مما يعنى أنهم تحت مسؤوليتنا : دولةً ومجتمعاً وإفرادا . أنها ظاهرة اجتماعية وليست ظاهرة فردية . لذا فان الخطوة الأولى نحو علاج هذه الظاهرة هى إننا يجب أن لا نكتفي بملامسة المشكلة / الظاهرة ، وان لا نكتفي بالإنشغال والإعراض ، لأننا فى هذه الحالة لن نقدم علاجاً شافياً ناجعاً للمرض ، وإنما سنقدم مسكنات ومهدآت ، لا نلبث بعد زوال تأثيرها أعراض المرض عن الظهور مرة أخرى وبصورة ربما تكون أقوى تأثيراً . إذ أجد نفسى لا اتفق مع كثير من الطرح الذى يسود الآن فى صحفنا حين يميل الكثير من الكتاب إلى التعامل مع مثل هذه الظاهرة باعتبارها حالات فردية منتزعة من سياقها الفكرى والإجتماعى والثقافى ، فيقولون عن هذا انه فاشل فى دراسته وذاك يعانى من مشاكل اجتماعية أو نفسية وثالث لا يعلم إلا الله ما الذى دفع بخطاه فى طريق الموت المظلم هذا ! مثل هذا التناول لظاهرة معقدة مثل التى نواجهها إنما يشكل هروباً من مواجهة الواقع ، ومحاولة تبسيطية لا تليق بمن يريد بالفعل أن يعالج ظاهرة بمثل هذه الخطورة حزمة معالجات ************* إذا جاز أن اقترح عدة نقاط أو بؤر يمكن أن ننطلق منها لتشخيص هذه الظاهرة ، وضع حلول جذرية تجتث أسس الإرهاب والتغرير بشابنا ، فإننىاقترح النقاط الثلاثة التالية على أن التعامل معها كمفاتيح تفضي إلى آفاق أرحـب وأوسع : (أ)ضرورة رصد التغييرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية التى حدثت فى مجتمعنا خلال سنوات الطفرة فى السبعينات وتداعياتها على الأجيال اللاحقة ، وإفرازات انحسار تلك الموجة . (ب) ماهية الفكر الذى يشكل أرضية القناعات الدينية لهؤلاء الشباب ، ويشكل أنماطهم السلوكية . (ج) مراجعة مناهجنا التعليمية بما يرسخ القيم الإسلامية ذات الخاصية الوسطية المعتدلة وقيم التسامح والتعايش السلمى ، وبما يمتص طاقات الشباب ويفتح نوافذ المناشط ، وبما ينمى ملكاتهم ، ويحقق الإستقلالية الفكرية لهم .

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up