اكتشاف القرآن مع (الشَّحَّاتين) من جديد!!

لماذا يتزاحم الناس في رمضان على مسجد دون آخر؟ أليس المقروء هو كلام الله تعالى نفسه؟ إن البحث عن الصوت الجميل المؤثر يكشف الجانب الإعجازي في تنغيم كل آية، وإيقاع كل كلمة، وجرس كل حرف، من هذا الكتاب الحكيم. ومن المؤسف أننا في المملكة أغفلنا، وما زلنا نغفل أهمية الإعجاز الصوتي للقرآن الكريم، ونعد التفنن في (تحبيره) عبثًا لا يليق؛ وربما أبعد بعض أصحاب الصوت الجميل من إمامة الناس في التراويح؛ رفقًا بالقوارير! بل إن الإذاعة السعودية لا تعرض لأشهر القرّاء في العالم الإسلامي إلا التلاوات التعليمية الرتيبة في فن التجويد؛ الذي لا يرى بعض القرّاء السعوديين وجوب إتقانه أصلًا! فلا فرق في تسجيلات الإذاعة السعودية بين (عبدالباسط عبد الصمد) و(محمد صديق المنشاوي) إلا في خامة الصوت الفطرية! وما زلنا نعتقد أن مضمون القرآن الكريم يكفي (وحده) لتحقيق فريضة التدبر والخشوع؛ رغم شهادة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بإنصات الملائكة لتلاوة (أسيد بن حضير)، و(لأبي موسى الأشعري) بأنه أوتي مزمارًا من مزامير (داود)؛ ما حفزهما لمزيد من التفنن في القراءة، وحفز الناس للاستماع لهما، والتعلم منهما!! ولئن تعذر تجسيد سيدنا (داود) ـ عليه السلام ـ في عمل تلفزيوني أو إذاعي، واستعصى على الخيال تصور مزاميره التي أذابت الجبال خشوعًا؛ فإن تجسيد الصحابيين الجليلين ـ رضوان الله عليهما ـ وتخيل أصواتهما، ممكن في اثنين من أشهر من تفنن في إبراز الإعجاز الصوتي للقرآن هما: الشقيقان المصريان (أنور) و(محمود)، اللذان ورثا من والدهما الضخم (الشحات محمد أنور) الملقب بـ(ملك النغم) كل شيء، من (كاريزما) الصوت، إلى الجرأة في التجديد، الذي يعد (أنور) قائد ثورته منذ ربع قرن. ولكن أهم ما يميز (الشحات محمد أنور) عن بقية عمالقة التلاوة هو ما يسميه ابنه (أنور) بـ(التصوير)؛ حيث يقرأ آيات الترهيب بمقام مناسب، ثم ينتقل ببراعة فائقة إلى مقام آخر أنسب لآيات الترغيب، ويقف عند كلمات لا يعدها التقليديون أماكن وقف، ويكرر آية واحدة بعدة مقامات عشرات المرات، وبحالة شعورية مختلفة كل مرة! وقد بلغ ابنه الأصغر (محمود) بهذا الفن غاية الكمال، والجلال، والتجلي؛ ولهذا يرى الكثيرون أنه قارئ العالم الأول!! نقلا عن مكة