الفنان (محمد أمان) في رمضان!!

تميز الحجاز ـ فيما تميز ـ بفن (المجس)، وهو الموال العربي المعروف؛ ولكن لشدة تفنن الحجازيين فيه، على مدى الأجيال، أصبح وكأن الحجاز فقط هو من يعرف هذا الفن! وزاد من انتشاره أنه يؤدى بالعربية الفصحى، وفي الغالب من أشعار العذريين المدنيين، و(عمر بن أبي ربيعة) المكي، وفي المناسبات الدينية الجليلة، وأفراح الأسر الأرستقراطية. ورغم أن الحجازيين لا يعترفون بمطرب حتى يتقن (المجس) إلا أن أكثر من أساء لهذا الفن العظيم هم كبار مطربي الحجاز: (محمد علي سندي) و(فوزي محسون) و(طلال مداح) و(محمد عبده)؛ لجهلهم الفادح بأبسط مبادئ اللغة العربية! ورغم شهرة العملاقين الأخيرين، ودورهما في انتشار الأغنية السعودية؛ إلا أن الأذن تخجل من استماع مجسَّاتهما المليئة بالأخطاء النحوية واللفظية، ولا تجد لهما عذرًا في عدم إتقان الأبيات التي يؤديانها على الأقل، وهما ابنا الجزيرة العربية ـ أصل اللغة ـ بينما لا تجد هفوةً عند عمالقة الطرب العربي، من (سيد درويش) إلى (أسماء منوّر)! وفي ظل شمسي الأغنية السعودية أصبح المجسُّ فنّاً (نخبويًا)، أقرب إلى الإنشاد الديني، برز فيه من المدينة المنورة السيد (حسين هاشم) الذي توفي في حادث سير، وهو راجع من حفلة في مكة المكرمة سنة (1979)، وتحتاج تسجيلاته القديمة إلى بعث متعوب عليه! أما أعظم جسِّيسٍ عرفته المملكة؛ فهو الفنان المكي العظيم (محمد أمان)، الذي فاق (طلال ومحمد) في الأداء اللغوي الصحيح، إضافةً إلى عذوبة صوته، وعمق إحساسه! وفاق السيد (حسين هاشم) بغنائه المجس في بقية الأغراض الشعرية، وأبرزها الغزل! وقد نجح إلى حد بعيد، في نقل هذا الفن من أبراج النخبة إلى الشوارع والأزقة، وساحات الأفراح، وسطوح البيوت أثناء الخطوبة وعقد القران! وكان قد بدأ حياته الفنية منتصف الستينات الميلادية، عبر الإذاعة والأسطوانات، لكن نجمه لم يتوهج إلا في رمضان (1396هـ/ 1976م) عبر التلفزيون في عقده الذهبي، تحت إدارة الرمز الضخم الدكتور (عبدالرحمن الشبيلي)؛ حيث ظهر في ذلك الرمضان يوميًا؛ يؤدي المجسَّ مصحوبًا بالآلات الموسيقية و(الصهبة) المكية! وقد توفي سنة (2013) ليترك فن المجسِّ يتيمًا، لا أمل له في غير همس النعناع المديني (طلال سلامة)؛ شريطة أن يستعين بمصحح لغوي مصحصح!! نقلا عن مكة