رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالله بن بخيت
عبدالله بن بخيت

كيف يصنع الإرهابي؟

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

في كل مرة أسمع خطيباً في مسجد أو رجلاً يتحدث في التلفزيون عن الخلافة أتساءل ما هي الخلافة. لمَ قفزت هذه الكلمة في السنوات الخمس التي برزت فيها حركة الإخوان في مصر وظهر أبو بكر البغدادي في الرقة. هل حانت ولاية الفقيه السني بعد أن حققت ولاية الفقيه الشيعي أحلام رجل الدين الشيعي.
الكلمات المتجهة إلى السياسة لا تصل إلى المستمعين بريئة حتى وإن كان قائلها ساذجا أو متحمسا أو باحثا عن أتباع أو لا يدرك ما يقول. فكلمة الخلافة أيا كانت لفافتها الدينية تبقى كلمة سياسية محضة. تتصل بنظام الحكم. مهما حاولنا تغطية الواقع فقد أصبح الآن في ذهن كثير من المسلمين مجموعة من أنظمة الحكم المختلفة. ملكي جمهوري رئاسي وخلافي. وهذا الأخير (الخلافة) هو النظام الإسلامي الوحيد الذي علينا أن نسعى لتحقيقه. هذا المفهوم السياسي لا يوجد في عقل المراهق فقط بل أصبح في السنوات الأخيرة جزءاً من ثقافة كثير من الناس السياسية.
مازلنا مع الأسف نظن أن من يدعو للإرهاب هو من يدعو مباشرة إلى الانضمام لداعش أو يشجع على التبرع له أو يزين أفعاله. لا شك أن هذا مسؤول بشكل مباشر ولكنه لا يمثل الخطر الحقيقي. لكي يحقق هذا الرجل أهدافه يحتاج إلى شباب جاهزين لتقبل أفكاره نضجوا على يد غيره. تم تجهيزهم لكي يأتيهم ويخبرهم بما يفعلون. العمارة الموصلة للإرهاب ليست مرحلة واحدة ينجزها مندوب البغدادي. تتم على مراحل. غسيل الدماغ الأساسي يقوم على عدد من الدعاة المنفصلين والمتصلين في نفس الوقت. لا تظهر نتيجة المبنى أو المشروع إلا في المرحلة الأخيرة. فالذين يفجرون أنفسهم ليسوا مجانين ولكن لديهم مشروع كوني متكامل تم تعميره في أدمغتهم على مدى سنوات. عظمة هذا المشروع وقوته تكمن في غموضه وبعده عن التفاصيل المضرة. فالمشاريع الخيالية الغوغائية تكتسب قيمتها وعظمتها من الغموض والعمومية التي تسمح لمن يعتنقها أن يفسرها بما يراه من جمال في خياله.
عندما يبشر الداعية بالخلافة مع حديث عام عن خلافة عمر بن الخطاب وكيف كان ينام بعد أن عدل وأمن، ثم يقفز مئة سنة ليصل إلى عدل عمر بن عبدالعزيز صامتاً عما حدث بين الزمنين. ثم يقفز بأسلوب الحكواتي المعتاد ألف سنة ليصل إلى صلاح الدين الذي حطم جيوش الصليبيين وأذلها ورفع راية المسلمين على تلال القدس، يكون قد اقترب من واقع اليوم عندئذ يحق له أن يتوقف عند القضية الفلسطينية ويتحدث باكيا شاكيا عن تخاذل حكام مسلمين ثم يأتي داعية آخر ويستلم الراية ويتحدث عن العدالة في العصور الغابرة والمظالم التي يعاني منها أبناء الإسلام وهو ما يراه الناس يوميا في التلفزيون ثم يؤكد أن زكاة تجارنا الجشعين تكفي لإطعام المسلمين في الدنيا كلها ساردا في محاضرة تلو المحاضرة خيبات المسلمين وتخاذل حكامهم وإذلال الغرب ثم يصرخ أين حكام المسلمين أين حكام المسلمين..!
تشكل هذا المشروع في برنامج متكامل تحت نظرنا وبصرنا وبموافقتنا وربما بتشجيعنا. أصبح الشاب جاهزا للمشاركة في تنفيذ طموح دينه ودنياه خصوصا أنه يرى أن أباه وأمه وعمه يشاركونه هذا الطموح. ماذا تبقى لمندوب البغدادي ليقوله لهذا المراهق لكي يضمه إلى إخوانه المجاهدين في الرقة..
من صنع في رؤوسنا هذا المفهوم الخيالي وهذه المعرفة المزيفة وتلك الأهداف المستحيلة؟ من صمم المجتمع على هذه البنية العدمية. من الذي جعل أهداف الشباب مقرونة بالموت وبالماضي وبالأحلام العبثية؟ نقلا عن الرياض

arrow up