رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد الأحمري
فهد الأحمري

مسابقة ملكة جمال ينبع

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

رحم الوطن السعودي المبارك أنتج دعاة فكر وتنوير دفعوا البلد للإصلاح وتمكن من البناء والارتقاء، واليوم نحن نشهد تحولا وطنيا شموليا يحمل رسائل البشرى.
وقعت في يده نشرة إنجليزية مفادها أن هناك عملا يجري التجهيز له لاختيار ملكة جمال حسناوات ينبع الصناعية الوافدات، ومن شاء من جميلات المجتمع الراغبات في المشاركة.
جنّ جنونه لهذه الجرأة اللعينة في التعدي على مبادئ وقيم البلد الدينية والاجتماعية. لم يكن أمامه سوى أن ينقل هذا الخبر الكارثي للشيخ "عواد" مسؤول إحدى المؤسسات الدينية. هل يعقل أن يصل بهم هذا الحد؟ ألا يكفي السهرات الماجنة هناك؟
هو لم ير سهرات ماجنة، كما يزعم، ولم يقرأ تلك النشرة جيداً، لتعجله دائماً وتقديم سوء الظن دوماً، أضف لذلك ضعف لغته الإنجليزية إذ لم يكن لديه سوى مبادئ اللغة النظرية من مقاعد الدراسة. الأمر لا يعدو سوى تقديم سوء الظن فضلاً عن "نظرية المؤامرة" التي أطبقت على ذهن بعض وعاظ الساحة وترسخت قناعةً عند المتلقي والنشء على وجه الخصوص، ومنهم صاحبنا هذا الذي للتو انتقل للمدينة الصناعية بالهيئة الملكية في ينبع. في ذلك الحين كان التأريخ يشير للنصف الأول من الثمانينات، والمدينة الصناعية بينبع في باكورة انطلاقتها تعج بالخبرات العديدة من دول العالم الشرقي والغربي وبالأخص الأخير منها.
تزامنت المرحلة مع مطلع أزمة "الصحوة" وحضور الصحويين لهذا المشروع، "مفخرة السعودية ينبع الصناعية ". كانت الجاليات الغربية الوافدة على قدر كبير من احترام الأنظمة الرسمية وتقدير العادات والتقاليد المحلية، غير أن "الواعظ" المأزوم يواصل صراخه تأليباً وتأجيجاً ضد الغرب "الكافر المشرك" ويحذر من قدوم الوافد الغربي، ويتلو الآيات والأحاديث التي نزلت في المشركين المحاربين ويُسقطها على كل مسيحي مسالم قدِم لبلدنا بدعوة منا للمشاركة في النهضة والتنمية. الغريب أن التركيز كان موجها ضد الفئة الغربية دون غيرهم من المسيحيين الشرقيين!.
الشيخ عواد يطلب من صاحبنا "تاهم" تتبع موضوع مسابقة ملكة الجمال المذكور وتزويده بالتاريخ والموقع المزمع انعقاده لهذا المنكر العظيم وأسماء الأشخاص القائمين عليه. يبادر "تاهم" بسؤال الشيخ عواد تُرى هل نناصحهم أولاً أم نداهمهم؟ بل الأفضل نداهمهم أولاً وهم متلبسون بالجرم، لأن المناصحة تكون خاصة وسرية ولن يكون لها وقع المداهمة والتوقيف الداعي لبث الهيبة والرعب في أوساط عموم الناس وبالتالي عدم التفكير، مجرد التفكير، من قِبلهم أو ممن هم دونهم في مخالفة دين الله، أخذاً بقول الله (ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم).
يتحمس صديقنا لتتبع هذا الأمر وكشف تفاصيله لكنه لا يدري كيف يحصل على معلومات دقيقة وخصوصا أنه لا يريد كشف الاهتمام بالموضوع ولا توجد وسائل تواصل اجتماعية حينذاك. تفتق ذهن "تاهم" لحل وحيد وهو صديقه "مجدي" وزوجته الكندية المسلمة. غير أن صديقه مجدي يصدمه بقوله: "أنت تبالغ يا عزيزي؛ هذه النشرة ليس فيها ما تتوقعه تحديداً". ويردف: أساعدكم بالدعوة إلى الله بالطريقة المحمدية السمحة اللطيفة، وليس بهذه الطريقة السمجة العنيفة لأنها لا تقدم دعوة ولا تخدم ديناً بل تنفر الناس من الإقبال على الدين العظيم وتفسد جهود غيركم من الدعاة. تاهم: أعرف منهجكم "التبليغي" يا شيخ مجدي لكن لم أتوقع أن تصل بكم الميوعة في الدين إلى هذا الحد من قبول المنكرات بحجة الدعوة.
مجدي: نحن لا نقبلها لكن نختلف في طريقة معالجتها فقط. وللعلم يا صديقي هذه النشرة التي بين يديك تتحدث عن مسابقة لملكات الجمال من البنات الأطفال دون سن التعليم! ويقرأ له النشرة جيداً ويترجمها بالطريقة الصحيحة. ينصرف "تاهم" محرجاً مخذولاً. محرجاً لأنه فهم الأمر خطأً، ومخذولاً لأنه ليس هناك منكر!
هذه القصة واقعية واكبتُ أحداثها وتفاصيلها التي تشي بالكثير من المعاني تيارا يحمل بعضه عقليات "أسمنتية" رغم ادعاءها التدين بينما جوهر الدين منها براء. تحمل سمتاً أقرب للمسرح العبثي والأبعد عن الهدي النبوي السمح فشكّلت سداً منيعاً أمام خطوات الوطن تجاه المعاصرة. عانى منها المجتمع وتكبد الوطن خسائر جمة في سبيل نهضته وتطوره لمسايرة بلدان العالم. رغم هذا استطاع الوطن أن يتقدم ويواكب التقدم قدر المستطاع، مع وجود تلك العقبات الكأداء التي لو تمكنت من بلد آخر لأصابه الشلل ولعاد للوراء، بل ولعاد الوراء إليه. في خضم القيود الفكرية الصلدة التي تكفلت بعرقلة كثير من حركة الوطن، فإن رحم الوطن السعودي المبارك أنتج دعاة فكر وتنوير دفعوا البلد للإصلاح وتمكن من البناء والارتقاء، واليوم نحن نشهد تحولا وطنيا شموليا يحمل رسائل البشرى والقفز برشاقة للتعويض المضاعف. نقلا عن الوطن

arrow up