رئيس التحرير : مشعل العريفي
 مشعل السديري
مشعل السديري

أطعم الفم تستِح العين

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

أظن أن الكرم والبخل صفتان تولدان مع الإنسان وتكمن في (جيناته)٬ فالكريم يظل كريًما سواء اغتنى أو افتقر٬ وغالًبا ما يصاحب كرمه شيء من الهبالة٬ والبخيل يظل بخيلاً مهما اغتنى٬ ومهما حاول أن يتظاهر بالكرم.وسوف أضرب لكم في هذا المجال ثلاثة أمثال؛ اثنان منها تاريخيان موثقان٬ والثالث معاصر ولا أزال أعايشه. الأول عن (جورج واشنطن) الأميركي٬ فيقال: إنه عندما كان قائًدا عسكرًيا٬ رفض أن يتقاضى الراتب الذي كان مخصًصا له كمعاش شهري٬ ولم يقبل أن يدفع له إلا المصاريف التي يتكلفها٬ واعتقدوا أنه زاهد٬ خصوًصا وهو كان يحاسب جنوده على كل لقمة يأكلونها.
كانت نتيجة هذا التدبير أنه قبض عن الفترة الممتدة بين 1775 و1783 مبلغا يفوق أربعمائة ألف دولار٬ وهو ضعف قيمة الراتب.وعندما أصبح رئيًسا٬ حاول أن يلعب اللعبة نفسها٬ غير أن (الكونغرس) رفض إلا أن يتقاضى راتًبا يدبر به شؤونه.أما المثال الثاني فهو من تراثنا٬ وليس هناك أبخل من الخليفة العباسي (أبو جعفر المنصور)٬ حيث إنه رغم مكانته كان يضرب به المثل من (الشح والتقتير)٬ وقد قيلت به في هذا الصدد أشعار كثيرة.
أما سلطان البخلاء الحقيقي من وجهة نظري٬ فهو رجل (ملياردير) لا يزال يعيش على ظهر هذه البسيطة٬ فهو من شدة بخله (لا يبول حتى على الجرح). وأعترف أنني كثيًرا ما انتقدته في المجالس التي أغشاها٬ وكيف أنه رغم ما أفاء الله عليه من المال لم يساهم ولا مرة واحدة في أي عمل خيري لصالح المجتمع. ويبدو لي أنه قد وصلته كثرة ثرثرتي٬ وعندما ضاق ذرًعا بها٬ ما كان منه إلا أن يرسل لي أحدهم يدعوني عنده على الغداء٬ فتفاجأت بدعوته٬ وفي الوقت نفسه فرحت بها٬ معتقًدا أنه سوف يشتري سكوتي إما برشوة مادية وإما بهدية ثمينة. وذهبت في الموعد بكل رحابة صدر إلى قصره٬ وعندما جلست في حضرته٬ طلب من الخادم أن يأتي بالغداء٬ وإذا به يأتي (بخبزتين مع مملحة) ويضعها بيننا٬ وعندما شاهد مضيفي تعجبي٬ قال لي: مد يدك٬ وكل حتى يصير بيننا (عيش وملح)٬ ثم أردف قائلاً بتهكم (أطعم الفم تستِح العين). عندها شعرت أنه أراد إهانتي٬ فما كان مني إلا أن وقفت للانصراف٬ وقبل أن أخرج ناداني قائلاً بين الجد والمزح: إياك ثم إياك أن تجيب اسمي أو حتى سيرتي في أي مكان٬ وإلا سوف أسلط عليك بعض رجالي لكي (يعلقونك من كراعينك).وما دامت المسألة وصلت للكراعين٬) فالفّكة من أشعب غنيمة. نقلا عن الشرق الأوسط

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up