رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

هل يسهم «المدير الوافد» في توطين القطاع الخاص؟

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

حينما يحتل أكثر من "ربع مليون وافد" مناصب قيادية وتنفيذية في منشآت القطاع الخاص، تمسك قبضتهم بزمام اتخاذ القرار داخل تلك المنشآت، هل يتوقع منهم فعليا أن يسهموا في توطين الوظائف تحت إداراتهم؟
إذا كانت دائرة صنع القرار داخل أي منشأة من منشآت القطاع الخاص، يتشكل أغلبها من موارد بشرية غير سعودية، بدءا من الرئيس أو المدير التنفيذي مرورا بمديري الموارد البشرية والإدارية والإنتاج والعمليات والتسويق والعلاقات، انتهاء بأدنى مستويات المناصب التنفيذية، ثم يُنتظر من تلك "الدائرة المغلقة" أن تصدر قرارات أو برامج تدعم توطين الوظائف تحت يدها، فلا شك أن المنتظر هنا يستحق عن جدارة واستحقاق صفة "الحالم الواهم".
أظهرت بيانات وزارة العمل الأخيرة، أن إجمالي تأشيرات العمل خلال 2015 ارتفع إلى أعلى مستوى تاريخي له على الإطلاق، تجاوز بنهاية العام الماضي سقف 3.1 مليون تأشيرة عمل، توزعت تلك التأشيرات على القطاع الخاص بنحو 2.0 مليون تأشيرة، فالقطاع الحكومي بنحو 79.0 ألف تأشيرة، ثم العمالة المنزلية بما يناهز 1.0 مليون تأشيرة. ليصل إجمالي تأشيرات العمل الممنوحة للقطاع الخاص منذ مطلع 2011، العام الذي شهد مطلعه تدشين برامج التوطين الراهنة أكثر من 7.6 مليون تأشيرة!
وحسبما ذكرت في المقال الأخير "توطين المناصب القيادية والتنفيذية للقطاع الخاص"، أن نسبة استحواذ العمالة الوافدة على المناصب التنفيذية والقيادية في القطاع الخاص، قد ارتفعت من 9.5 في المائة من إجمالي تلك المناصب بنهاية 2008، إلى أن وصلت إلى 32.0 في المائة من الإجمالي بنهاية 2015، أي أن سيطرتها على صناعة القرار في منشآت القطاع الخاص قد تضاعفت أكثر من ثلاث مرات دفعة واحدة، كل ذلك حدث خلال فترة تطبيق برامج التوطين نفسها!
المشهد بالأرقام الرسمية يتحدث عن نفسه، زيادة مفرطة في الاستقدام من الخارج، وزيادة أكثر إفراطا في سيطرة العمالة الوافدة على المناصب العليا ذات الدخل المرتفع، ومقابل ذلك زيادة مفرطة جدا في التوطين الهامشي (أو السعودة الوهمية)، يتم ترجمتها مع الأسف الشديد على أنها شواهد نجاح لبرامج التوطين! دع عنك ارتفاع إجمالي حوالات العمالة الوافدة للخارج منذ مطلع 2011 حتى نهاية أيار (مايو) 2016 الماضي إلى نحو 757.4 مليار ريال (الفترة المتزامنة مع تطبيق برامج التوطين الراهنة)، لتكتمل أمامك الصورة الحقيقية لواقع سوق العمل محليا ضمن أروقة القطاع الخاص.
هل الأمر يقف هنا عند مجرد توظيف العمالة الوطنية من عدمه؟ وهل يقف عند مجرد انتظار أكثر من "ربع مليون مدير ومسؤول وافد" يستحوذون على اتخاذ القرار في منشآت القطاع الخاص؛ أن يُنجحوا مساعي توظيف الباحثين عن فرص عمل من المواطنين والمواطنات؟ أبدا لا يقف عند هذه الحدود المتواضعة، بل يتخطاه إلى أبعد من ذلك، وهو ما يجب أن تتنبه إليه وزارة العمل والتنمية الاجتماعية منذ اللحظة ومستقبلا، خاصة بعد أن أصبحت المادة (77) من نظام العمل الجديد فاعلة، وهي المادة في النظام التي تفتح الأبواب على مصاريعها للاستغناء عن العمالة المواطنة متى شاءت، وكيفما شاءت، دون قيد أو شرط!
كما لا يقف الواقع المتصدع لأوضاع العمالة المواطنة (ذكورا، وإناثا) داخل منشآت القطاع الخاص، عند مجرد النزاعات العمالية التي تنظر فيها لجان وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بالأمس واليوم، بل تتجاوزها لما هو أبعد من ذلك بمسافات بعيدة جدا، ذلك أن الممارسات العملية واليومية داخل أروقة منشآت القطاع الخاص، تكتظ بما لا يمكن للجان وفرق المتابعة والمراقبة التابعة لوزارة العمل أن تحيط به علما، بدءا من تقييد ترقيات وتحسين المستويات الوظيفية للعمالة الوطنية، مرورا بتثبيت مستويات أجورها لسنوات طويلة جدا على الرغم من تدنيها في الأصل (بلغت نسبة السعوديين ذوي الأجور البالغة أربعة آلاف ريال شهريا فما دون نحو 59.2 في المائة من إجمالي عددهم في القطاع الخاص 2015)، وصولا إلى احتساب مكافآت نهاية العام المالي التي تستأثر بها الدائرة الضيقة العليا من العمالة الوافدة، وغيرها من الممارسات والإجراءات التي لا حصر لها هنا، وما لم يعد خافيا على أي مراقب ومهتم بأوضاع العمالة الوطنية في منشآت القطاع الخاص.
إن من أهم وأولى الواجبات والمسؤوليات الملقاة في المرحلة الراهنة على عاتق وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، أنْ تتخذ أعلى التدابير والإجراءات الكفيلة بحماية العمالة الوطنية، وألا تكتفي فقط هي أو غيرها من الأجهزة الحكومية ذات العلاقة بتوطين فرص العمل بالقطاع الخاص، بمجرد توظيف العمالة الوطنية من عدمه، وحصر نظرتها فقط عند "نسبة التوطين"، هل ارتفعت أم انخفضت؟ إن نظرة فاحصة إلى الوزن النسبي لأجور وتعويضات العمالة الوطنية لدى إحدى الشركات خلال عام مالي، حينما تكتشف وزارة العمل أنها قد لا تتجاوز 7-8 في المائة، مقابل نسبة توطين بالشركة نفسها قد تتجاوز سقف 70-75 في المائة، كفيلة بكشف حجم التردي الوظيفي الذي ترزح تحت ضغوطه الهائلة الموارد البشرية المواطنة!
هذا ليس افتراضا أو تخيلا، بل إنه بالفعل ما تكشف عنه القوائم المالية المراجعة والمدققة لكثير من الشركات، ويكفي القارئ الكريم والأهم وزارة العمل والتنمية الاجتماعية أن ترجع في هذا السياق إلى القوائم المالية للشركات في قطاعات كل من المصارف والتأمين وشركات الاستثمار والاتصالات وتقنية المعلومات والتشييد والبناء وبيع التجزئة على سبيل المثال لا الحصر! علما أن جهود الرقابة والإشراف على توطين الوظائف في القطاع الخاص، يجب ألا تقف عند حدود معينة كهذا الحد الذي أضرب حوله مجرد مثال، بل لا بد أن تظل سقوفه الرقابية والإشرافية دون حدود عليا، وأن تتكاتف مع جهود وزارة العمل والتنمية الاجتماعية جميع الأجهزة الحكومية الأخرى، للعمل وفق صيغ تكاملية مستمرة على هذا المسار التنموي البالغ الحساسية، وإدراك أن تحدي البطالة المتفشية بين صفوف شبابنا وبناتنا، يجب ألا يتحول إلى خطر يدهم استقرار البنية الاقتصادية والاجتماعية المحلية.
يجب أن نكون جميعا دون استثناء على قرب شديد من أبنائنا وبناتنا في كيانات القطاع الخاص، يبدأ تحقيق هذه المسؤولية الوطنية الجسيمة من ضرورة توطين منصب الرئيس والمدير والمسؤول في كل كيانات القطاع الخاص، وهي المسؤولية التي يمكن ترجمتها على أرض الواقع دون إضرار بمصالح تلك الكيانات، ولا أسهل من وضع العراقيل المصطنعة أمام تحقيق هذا الأمر، إلا سهولة أن يتم تعيين وافد من خارج الحدود في أحد تلك المناصب! فهل نعي وندرك فعلا أي تحديات نصنعها بأيدينا أمام استثمار مقدراتنا ومواردنا الوطنية، أم لا؟! والله ولي التوفيق. نقلا عن الاقتصادية

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up