رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالله بن بخيت
عبدالله بن بخيت

اللذة والحكمة

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

مرة شعرت أن وزني زاد أكثر مما ينبغي. ذهبت لطبيب العائلة أبحث عن حمية صحية فحولني إلى طبيب مختص. ذهبت إلى الطبيب المختص وكما لا يخفى عليكم لكي يعطي الطبيب المختص هيبة وقيمة لعمله فحصني أيما تفحيص وشخصني أيما تشخيص وأخيرا أعطاني ما توقعته. قائمة تتضمن جدول أطعمة معظم موادها متوفرة في دكانه داخل العيادة. اشتريت من بقالته ودفعت المقسوم من باب الانسجام مع العصر دون قناعة تامة.
اعتمدت على برنامجه مدة أسبوع ثم أسبوع آخر. بدأ مزاجي يتعكر واحساسي بالحرية يتضاءل وعلاقتي بالعالم دخلت مرحلة من العداء لم اختبرها من قبل. والذي زاد الأمر سوءا الروائح والمناظر الخلابة التي صارت تحاصرني. كلما دخلت البيت شممت رائحة الكبسة، وإذا دخلت مطعما شممت رائحة المكرونة، وإذا دخلت سوبر ماركت شاهدت الخضار والفواكه والمعلبات.
الخبز يا جماعة الخير الذي لم أكن اوليه أي نظرة خاصة صرت إذا دخلت بقالة أقف أمام الرفوف التي يحتشد فيها اتأمله كأني مراهق يتأمل حسناء اسكندنافية. تماسكت الأسبوع الأول والأسبوع الثاني وقبل أن تنهار مقاومتي وأعود اسوأ مما كنت عليه قررت أن اضع خطة تصنع شيئا من التوازن بين برنامج الحمية القهار، وبين شهواتي العاتية.
بعد صراع مرير مع النفس دام عدة أيام خلصت إلى خطة أخرى مختلفة تماما. لا ابدل الأطعمة التي احبها ولكن أن آكل نصف الكمية التي كنت آكلها قبل الحمية وأن اصل إلى هذه المرحلة بالتدريج. عدت إلى وجباتي الاصلية وبدأت انفذ الخطة الجديدة. لا أخفيكم أن خطة الدكتور خلصتني من كيلوين فقط.
بعد أسبوعين لم أقف فيها على الميزان بدأت اشعر بالتوازن. صارت الكمية الجديدة التي آكلها تكفيني وتزيد احيانا. نما في داخلي إحساس بالجودة. خلصت إلى قناعة سواء انخفض وزني أو لم ينخفض فلا شك أن صحتي العامة سوف تصبح أفضل. بعد شهر أو أكثر قليلا انخفض وزني كيلوين آخرين لكن ودون احساسي بالكآبة أو التوتر أو الصراع مع العالم.
لن تكون قصتي هذه عامة لكنها أخذتني إلى حكمة يجب أن تقال. الإنسان هو طبيب نفسه ولكن الشيء الآخر وهو ما اعتبره من أهم السلوكيات في حياة المرء السيطرة على الشهوات والتحكم فيها وتوظيفها لرفع درجة تطلعك للعيش الجميل. يمكن أن تصبح الأشياء اللذيذة جوائز للإنجاز، كالإجازة بعد العمل المثمر، إذا اندفعت في ملذاتك ستنتهي إلى تدمير نفسك وتمدير احساسك باللذة في نفس الوقت. ستصبح مدمنا. الإدمان ليس بالضرورة على المخدرات أو الخمر أو الدخان. ضعاف النفوس من الناحية السيكولوجية (وليس الأخلاقية) سرعان ما يقعون في الإدمان في أي شيء يمنحهم لذة كالببسي أو الكوكولا مثلا.
من حسن حظي أن تخلصت من عادات الإدمان كلها. بعد أن تخلصت من عادة شرب الدخان بعد سنوات من التدخين شعرت أني قادر على التحكم في سلوكي وقادر أن اطور هذه المقاومة أكثر لمواجهة كل أشكال عبودية العادات. صرت أضرب في الكبسة في المناسبات، صرت أشرب شيشة إذا كنت في مقهى مع الأصدقاء، صرت آكل بسبوسة إذا توفرت امامي لكن ليس لي أي ارتباط دائم بأي منها. هذه هي الحكمة التي تدير علاقاتي بالمتع. نقلا عن الرياض

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up