رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالله بن بخيت
عبدالله بن بخيت

الماضي أحلى من الحاضر

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

من الثوابت القولية التي يرددها كثير من الناس أن الماضي أجمل من الحاضر وأن الناس في الماضي أفضل منهم في الحاضر، وأن الجار يحب لجاره ما يحب لنفسه بل كان الأب يسافر سنوات بعد أن يوصي جاره (العزيز) على العيال و(أم العيال). الناس عادة يقفزون على الذكريات السيئة ويتعاطون مع اللحظات الجميلة التي خلفوها وراءهم.
أما على مستوى تاريخ الشعوب فثمة تمجيد للماضي لا حدود له عند شعوب العالم الثالث. خذ مثلا الشعب السعودي قبل ثلاثين سنة مقارنة به اليوم.
لكي تعرف الحقيقة أزل بعض التقنيات التي بين يديك. تصور حياتك بدون انترنت. في الثمانينيات لم يكن هنا شيء اسمه انترنت.
كان الكمبيوتر موجودا ولكن بدون شبكة. ما فائدة أن تمتلك جهاز ابل لاب تب بدون يوتيوب وبدون أي ميل وبدون تويتر وبدون وبدون إلى ما لانهاية؟
أتذكر كنت اكتب المقال على الكمبيوتر (ماكنتوش) ثم ارسله من الكمبيوتر كفاكس. قمة التطور. إذا اردت ان تحجز مقعدا على الطائرة إلى جدة أو لندن يتوجب عليك الذهاب إلى مكتب الخطوط وفي احسن الأحوال تتصل بالتلفون. استبعد من حياتك الجوال أيضا. تصور أن تحصل على خط تلفون أرضي تشترك في استخدامه مع العائلة كلها يعتبر انجازا عظيما.
هذه صورة بسيطة عن الحياة قبل ثلاثين سنة فقط. ماذا لو عدت إلى الوراء مسافات بعيدة، إلى الأزمنة التي تختفي فيها الطائرة والراديو والتلفزيون والسيارات والطب الحديث وحقوق الإنسان. تلك الأزمنة التي يُختطف فيها الإنسان في بلد ويباع في بلد آخر.
الأزمنة التي تنتشر فيها الأوبئة التي تحصد الأعزاء والأحبة، والناجون يتفرجون ولا يملكون إلا اليأس. بلا كهرباء وبلا مياه نظيفة وبلا مكيفات وبلا كل شيء تعيشه اليوم. لا تملك إلا حياة معدل البقاء فيها لا يتجاوز خمسة وأربعين سنة. ينجب الوالدان سبعة أطفال لا يواصل منهم البقاء في الدنيا سوى اثنين أو ثلاثة.
ترى ما الذي عليك أن تفعله لو كنت واحدا من الشعب كما هي حالي وحال كثير من القراء؟
بالكاد تحصل على قوت يومك بينما قصر الخليفة (الذي تمجده في سرك وعلنك) يسكنه آلاف الجواري والخصيان والعبيد والخدم وتذبح فيه آلاف الذبائح يوميا وتقام فيه الولائم الباذخة لشاعر تافه يلقي قصيدة تافهة هي نفس القصيدة التي تدرسها في المدرسة ثم تتغنى بها في تمجيد ذلك الخليفة أو السلطان.
كتب كلامي هذا عشرات الكتاب بيد ان الإنسان بطبعه انتقائي. يسمع ما يريد سماعه ويضيف على ما يسمعه شيئا من الرومانسية فيصبح الماضي جنة والحاضر جحيما.
في ظني هذه العملية تنتسب لشكل من اشكال الايدلوجيا المخادعة. ثمة فرق كبير بين أن أزين لك الماضي عن أن احدثك عن المستقبل. استطيع في مقال او مقالين أجعلك تنتشي طربا ببطولة صلاح الدين وكيف دحض الصليبيين وحرر القدس. ولكن لن يسرك أبدا أن أقول لك ان التقدم في المستقبل والمستقبل بعيد المنال. حياتك لا علاقة لها بالماضي ولكنها مرهونة بالحاضر الذي تعيشه ومقدار نجاحك او فشلك فيه. قد تصاب باليأس إذا قارنت نفسك بالآخرين. الماضي مجرد حنين بينما المستقبل مسؤولية. الحديث عن الماضي عملية ارتخاء وانتشاء بينما الحديث عن المستقبل خطط وعمل وإنجاز ومحاسبة وتنازلات مؤلمة وتضحيات، والفشل واحد من احتمالين.
ولكي اكسبك واكسب مديحك أليس الأفضل لي أن أطربك بالحديث عن الماضي، واترك مسؤولية إزعاجك على الآخرين؟! نقلا عن الرياض

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up