رئيس التحرير : مشعل العريفي
 مشعل السديري
مشعل السديري

(الثرثرة) هي مهنتي

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

الخبث أو الذكاء ليس مقتصًرا على الإنسان٬ فهناك من الكائنات من يتفوقون عليهم أحياًنا٬ ومن قراءاتي لعالم مختص٬ من مراقبة ورصد خداع الطيور لبعضها بعًضا٬ يقول: انتقل زوجان من العصافير إلى عشين متقابلين في طرفي منزلنا الريفي٬ ولاحظت يوًما والعصفور الذكر يتسكع خارج مدخل عشه٬ أن جاء العصفور الآخر يحمل في منقاره ريشة ناعمة من دجاجة بيضاء٬ وضعها مزهًوا في عشه٬ ووقف برهة يزقزق ثم طار٬ وما إن غاب عن الأنظار حتى هرع العصفور الأول إلى عش الآخر وسرق تلك الريشة وطار بها إلى كومة من الحطب وأخفاها تحت قطعة صغيرة من الخشب٬ ثم عاد إلى مكانه كأن لم يحدث شيء.
وبعد برهة عاد العصفور الثاني إلى عشه٬ ولم يلبث أن خرج وهو يرعد ويبرق٬ واندفع إلى عش العصفور الأول حيث تركه صاحبه يبحث كما يريد٬ ولما تحقق أن العصفور الأول لم يكن له ضلع في السرقة طار في سبيله. ولم يكد يغيب عن النظر حتى رفرف العصفور الأول في هدوء إلى كومة الحطب واستخرج الريشة من مخبئها وعاد بها إلى عشه مزهًوا ­ انتهى.
ومن مشاهدتي أنا في قناة (ناشيونال جغرافيك) الوثائقية٬ أنه في بحيرات جنوب شرقي (أوريغون) بأميركا٬ كيف أن طيور البجع تتكاتف بذكاء لصيد الأسماك. حيث إن خمسين بجعة أو أكثر تجتمع كي تخطف السمك البوري والمصاص الذي تفتتن به٬ فعلى بعد ما من الشاطئ تقف الطيور صًفا في مواجهة البر٬ ثم تعوم متباطئة نحو الضفة في شبه دائرة٬ جاعلة أطراف أجنحتها تحت سطح الماء٬ وتحركها على التوالي مرة نحو الجسم وأخرى بعيًدا عنه٬ وتبدأ الحركة بسرعة معتدلة ثم تزداد كلما اقتربت من الشاطئ٬ ثم تصبح الحركة دًقا مفزًعا وضرًبا في الماء٬ إذا ما اقتربت ساعة النهاية٬ ويصل جناحا الصف إلى الشاطئ أولاً٬ ويطبق القلب كأنما أمرت بذلك٬ وتتقدم الطيور وأطراف أجنحتها متلاصقة كأنما هي شبكة محكمة.
وأخيًرا يحاول السمك أن يتنكب عن أجنحة البجع الطاحنة٬ فيجهد نفسه في الغوص تحت أجسام الطيور٬ وفي هذه اللحظة يمتد النصف المقدم من مناقير البجع الهائلة فاغرة تحت الماء٬ وعندئذ تجد السمكة أنها لم تغص إلى الحرية٬ ولكن إلى بلعوم واسع الجوانب. وأكيد أن البعض منكم شاهد ما شاهدت٬ ولكنهم (سكتم بكتم)٬ بعكسي تماًما حيث إن (الثرثرة) هي مهنتي التي أسترزق من خلالها٬ حتى لو حشرت نفسي في عالم الطيور٬ أو عالم النساء أحياًنا. نقلا عن الشرق الأوسط

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up