رئيس التحرير : مشعل العريفي
 محمد الساعد
محمد الساعد

يوسف زيدان.. والمجمع الملكي للفنون !

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

كثير منا غضب من المثقف العربي يوسف زيدان، ليس لأنه قال ما قاله عن وسط الجزيرة العربية، - سواء كان مجتزأ ما سرب عنه أم لا -، بل لأنه استمر في ترديد ما يؤمن به عرب الشمال والقومجيون وبقايا اليسار والبعث عن السعودية والجزيرة العربية. هم لا يزالون يأنفون من التقدم الحضاري والتنموي والسياسي لدول أحواض النفط، على حساب دول أحواض الأنهار، التي تراجع دورها ومساهماتها، كنتيجة حتمية لتغير المشهد في العالم العربي. تلك النظرة المتجنية لم تغيرها الأموال والعطايا، ولا الاستضافات التي قامت بها مؤسسات ثقافية خليجية طوال عقود مضت. بل هي جزء من الملمح التخيلي عن صحارى قاحلة، لا يوجد فيها غير بعير وبئر نفط، كما قال يوما «نزار قباني». في حقيقة الأمر، أننا وقبل أن نلوم يوسف زيدان، وغيره من المثقفين العرب، يجب أن نحاسب أنفسنا، حتى لا يأتي «زيدان» آخر، يقول القول نفسه، ونلوم اللوم نفسه. توجد الكثير من الأسئلة التي يتحتم أن نجيب عنها أولا.. هل ما زلنا ننظر لعناصر الفنون، من نحت وموسيقى وغناء ورسم وتصوير ومسرح، باعتبارها من رجس يخرم دين ومروءة من يشتغل بها. هل نعترف أنه كان في الجزيرة العربية حضارات أخرى مهمة قبل الإسلام، وهل ذلك الاعتراف يتعارض مع فهمنا الخاص لها، أم نعي أن الإسلام الذي انتشر في العراق والشام والأناضول ومصر والأندلس استوعب الحضارات السابقة هناك، وبنى عليها، مكونا حضارته الخاصة التي نراها اليوم مختلطة لا تنافر بينها. لقد أقر الإسلام موقفه من كل ما جاء قبله، بانيا على ما سبقه من تراث وحضارات، وأكد في مبدأ فاصل أنه جاء متمما لمكارم الأخلاق. تزخر الجزيرة العربية، خصوصا المملكة العربية السعودية، بتراث إنساني ثري وباذخ، والأمانة الملقاة علينا تفرض أن نري العالم تراث أولئك الأجداد الذين تحملوا هذه الصحارى، ولم يهاجروا كما هاجر الآخرون إلى الأنهار والينابيع والجبال الباردة. استطاعوا أن يتركوا لنا مجدا عظيما في البناء والنحت والمدرجات والرسومات، وخطوا بأقدامهم في تلك الأودية السحيقة مدنا، وصنعوا طرقا للتجارة، أمدت العالم القديم بالبخور واللؤلؤ واللبان والعاج والحرير. ألم يحن الوقت أن ننظر للفنون بحب واحترام، ونقدم بلدنا للعالم من خلال ما لدينا من إرث نفاخر به، وندعو العالم لمشاركتنا إياه والاستفادة منه. أين طريق الفيل الممتد من بطون عسير حتى أودية مكة المكرمة، وحينما أراد بعض الباحثين تحقيقه قبل عدة أعوام تم وأد الفكرة في وقتها، لأن فتوى صدرت ضده. أين التراث النبوي، طرقا ومنازل ومساجد، ولماذا تترك بعض تلك الآثار وفيها مواضع ومسارات هي في غاية الأهمية الدينية؟. أين قرية الفاو التي اكتشفها الباحث والمؤرخ الكبير عبدالرحمن الأنصاري؟ لماذا أغلقت، من دون أي معلومة، من بداية التسعينات وحتى اليوم؟ لماذا لا نرى تماثيل حضارة لحيان، وحجارة وكتابات ومنمنمات تيماء؟. كيف ينظر طلابنا لمدائن صالح؟ ما هو موقفهم من الغناء والمسرح ودور الأوبرا؟ هل توجد لدينا مدرسة رسم واحدة، أو معهد فريد لتعلم الموسيقى؟. أسئلة لا تحتاج لإجابات، بل إلى فعل ناعم، يعترف بالمشكلة، ويتقدم نحو الحلول. اليوم يبدو أننا بتنا قريبين من الرد على كل «يوسف زيدان» انتقص منا أو زايد علينا، ليس من خلال العواطف الجياشة، بل من خلال مشروع حضاري حقيقي جاء في وقته، هو المعهد الملكي للفنون، الذي أعلن عنه وزير الإعلام السعودي الدكتور عادل الطريفي أخيرا. فهذا هو الإطار الصحيح، الذي يمكن له أن يعيد إخراج نتاجنا وإرثنا الحضاري ويطلقه للعالم، ذلك الفضاء الذي يجب أن يرانا من خلاله الناس، وليس من خلال حوض النفط. الجميل أن المجمع المزمع بناؤه سيكون على غرار المجمعات الثقافية حول العالم، ومن أعرقها المجمع الملكي للفنون في بريطانيا، الذي تأسس عام 1768، ويعرف نفسه كالتالي: «هيئة تتوخى تحسين مستويات فنون الرسم والنحت والعمارة، كما أنها تقدم تشجيعا للفنانين المعاصرين». الأمل أن يساهم المجمع الملكي، ليس في خلق حالة فنية سعودية، بل أن يكون المظلة الوارفة للفنانين والمثقفين، وأن يساعد في تعزيز الثقافة والفن في المملكة، والاهتمام بمتطلبات أجيال من المثقفين والفنانين السعوديين، وإيجاد مؤسسات قادرة على إطلاق ما في الصدور والعقول. نقلا عن عكاظ

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up