رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

البطالة .. وسوق العمل

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

قبل أن أبدأ من حيث انتهى نقاش وزير العمل بالأمس مع أعضاء مجلس الشورى، لا بد من الوقوف على عدد من الحقائق المستندة إلى بيانات رسمية حول السكان والقوى العاملة، وهي مهمة جدا لمعرفة على أي أرض نقف أمام أحد أهم وأكبر التحديات التنموية الراهنة، المتمثل في البطالة وتوظيف الموارد البشرية الوطنية.
أولا: تذكر البيانات الرسمية الصادرة عن مصلحة الإحصاءات العامة، أن عدد السكان غير السعوديين وصل بنهاية 2014 إلى 10.1 مليون نسمة (الذكور 6.87 مليون، الإناث 3.2 مليون)، في الوقت ذاته تذكر بيانات وزارة العمل الرسمية أن أعداد العمالة الوافدة في القطاع الخاص فقط وصلت في نهاية العام نفسه 2014 إلى نحو 8.5 مليون عامل (الذكور 8.3 مليون عامل، الإناث 0.17 مليون)، التضارب الكبير هنا يتضح بجلاء حال المقارنة بين أعداد السكان غير السعوديين الذكور والعمالة الوافدة من الذكور في القطاع الخاص للعام نفسه، حيث تتجاوز أعداد العمالة الذكور في القطاع الخاص عدد السكان غير السعوديين الذكور بأكثر من 1.4 مليون نسمة! وبالطبع سيزيد الفارق هنا إذا ما تمت إضافة العمالة الوافدة من الذكور في القطاع الحكومي (36.13 ألف عامل)، ليرتفع الفارق بين رقمي السكان الذكور والعمالة (حكومة، خاص) إلى نحو 1.5 مليون نسمة!
ثانيا: نشر البنك الدولي في أحدث إحصاءاته عن الهجرة العالمية، أن عدد السكان غير السعوديين في المملكة وصل بنهاية 2013 إلى أكثر من 14.6 مليون نسمة (بيانات الإحصاء المحلية تذكر 9.72 مليون نسمة)، أي بزيادة تناهز 50.2 في المائة (زيادة تبلغ نحو 4.9 مليون نسمة)، وعلى افتراض ثبات نفس النسبة المئوية تلك في العام التالي، فهذا يعني أن عدد السكان غير السعوديين بنهاية 2014 يصل إلى أعلى من 15.1 مليون نسمة، أي بزيادة في أعداد السكان غير السعوديين مقارنة بإحصاءات مصلحة الإحصاءات العامة تناهز 5.1 مليون نسمة! من هذه البيانات، يمكن التأكيد على أن حجم العمالة الوافدة في سوق العمل أعلى بكثير مما تضمنته البيانات المنشورة، وبالطبع فهي تندرج تحت نشاط اقتصاد الظل (النشاط الاقتصادي غير المدرج في البيانات الرسمية للاقتصاد). ثالثا: وفقا لما تقدم ذكره أعلاه، يمكن استنتاج حجم العمالة الوافدة (الرسمية، غير الرسمية) في القطاع الخاص، أنها بنهاية عام 2014 قد يصل إجمالي عددها إلى نحو 10.6 مليون عامل، أي بزيادة تناهز 2.1 مليون عامل وافد! وبالتشوه نفسه في تلك البيانات يمكن تصور استمراره للعامين التاليين 2015-2016، التي تعني بثبات معطياتها؛ ارتفاع أعداد السكان غير السعوديين بنهاية 2015 إلى أعلى من 15.6 مليون نسمة، وبنهاية 2016 إلى نحو 16.1 مليون نسمة، وبالطبع سيكون لكل هذه البيانات والتضارب فيما بينها أكبر الأثر في سوق العمل المحلية.
رابعا: عانت سوق العمل المحلية طوال الفترة 2011-2015 تنامي ظاهرة التوظيف الوهمي، التي باعتراف وزير العمل في أكثر من تصريح له، كان آخرها بالأمس أمام أعضاء مجلس الشورى، التي تكشف دراسة تركز ذلك النوع من الوظائف غير المنتجة في منشآت القطاع الخاص، أن مجموعها التراكمي 2011-2014 يناهز الـ 0.5 مليون وظيفة، أي ما يعادل نحو 32.5 في المائة من إجمالي وظائف العمالة الوطنية في القطاع الخاص.
خامسا: بناء على ما تقدم من بيانات رقمية، يمكن التوصل إلى أن معدل التوطين في القطاع الخاص والمعلن بموجب بيانات وزارة العمل البالغ 15.5 في المائة بنهاية 2014، بعد معالجته وتسوية أعداد العمالة الوافدة غير المدرجة في بيانات سوق العمل بزيادتها في جانب بياناتها، وخصم الوظائف الوهمية التي يشغلها المواطنين، فإن معدل التوطين في هذه الحالة سيستقر عند 8.8 في المائة، وهو أدنى دون شك بمقارنته بالمعدل لعام 2010 البالغ 10.4 في المائة.
سادسا: بعد ما كل ما تقدم، آتي إلى المحور الأهم في كل تلك الفوضى من البيانات المتضاربة محليا ودوليا، المتمثل في معدل البطالة. الذي لا شك أن الرقم الحقيقي له سيختلف كثيرا عن المعدل الذي توصلت إليه مصلحة الإحصاءات! كيف لا؟ وأغلب البيانات تصطدم ببعضها بعضا، وهنا لا يمكن لأي جهة ذات علاقة بسوق العمل، سواء وزارة العمل أو غيرها من الجهات المعنية، أن تقفز على هذا التضارب الكبير بين البيانات حول أعداد السكان والعمالة غير السعودية، والأهم من كل ذلك؛ أن لا أحد من الجهات تلك يمكن أن يتحقق له الدرجة اللازمة من النجاح في جهوده على مستوى توطين الوظائف، أو على مستوى بقية الجهود التنموية الأخرى التي لا تقل أهميتها عن جانب التوظيف والتوطين.
لقد أرهقت وزارة العمل نفسها، وأرهقت معها بدرجة أكبر منشآت القطاع الخاص، حينما ألزمت نفسها بالسير تحت مظلة برامج التوظيف (نطاقات)، وفوتت على نفسها فرصا وخيارات أوسع تضمنتها استراتيجية التوظيف السعودية، التي حذرت ذات الاستراتيجية في صفحاتها صراحة (صفحة 172-173)؛ أن عدم التقيد ببرامج الاستراتيجية من نتائجه، ما اصطدمت وتصطدم به في الوقت الراهن وزارة العمل وبقية مؤسساتها التابعة لها من (1) استمرار البطالة في الارتفاع. (2) استمرار أعداد العمالة في الزيادة. (3) استمرار هامشية العمالة الوطنية في القطاع الخاص (التوظيف الوهمي). (4) استمرار الانفصام بين التعليم والتدريب من جهة وسوق العمل من جهة أخرى. وتتصاعد التحديات أخيرا على الوزارة مع المادة الجديدة في نظام العمل الجديد (مادة رقم 77)، التي يتحمل مسؤولية الموافقة عليها مجلس الشورى أيضا، الذي لا أحد يعلم حتى الآن كيف تمت الموافقة عليها من قبل المجلس على الرغم مما حملته من ضغط شديد على العمالة الوافدة، بفتحها الفرصة على أوسع أبوابها أمام أرباب العمل والشركات، للاستغناء عن العمالة الوطنية دون قيد أو شرط. ومن يستطيع الصمود في وجه تلك المادة من النظام، حتى وزارة العمل بنفسها، التي مهما حذرت أو أصدرت من إجراءات لتحجيم مفعول تلك المادة، فإنها تظل أضعف بكثير من النص القانوني للمادة.
هل هنا انتهى الأمر؟ ما العمل في الوقت الراهن أمام هذه المستجدات والتحديات بمعنى أدق؟ بالطبع لا، فقد سبق أن تم إيضاح وطرح الحلول والخيارات البديلة للخروج من هذا المأزق المضاعف، وأجده واجبا علي إعادة كتابته مرة أخرى، وفق تلك المستجدات الراهنة والمحتملة مستقبلا، سيكون المقال التالي مخصصا له بمشيئة الله تعالى. والله ولي التوفيق. نقلا عن الاقتصادية

arrow up