رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عقل العقل
عقل العقل

فاطمة بنت فهد بن سعيد..

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

في منطقة محافظة وبيئة منغلقة، كان لرواد الفن الشعبي دور رائد في المسيرة الفنية الغنائية في المنطقة الوسطى قبل الطفرة النفطية في سبعينات القرن الماضي، وكانت أسطوانات الفنانين الشعبيين من حجاب وخلف بن هذال ومفرح الضمني وسالم الحويل وسلامة العبدالله وفهد بن سعيد وغيرهم هي النافذة التي يطل من خلالها ذلك المجتمع على الفن ويستمتع به، إضافة إلى حضور بعض الحفلات الغنائية في بعض الأندية الرياضية. وأتذكر أنني ومع بعض أبناء قريتي كنا نقطع المسافات لحضور حفلات السامري في ملعب السويل في مدينة عنيزة نهاية كل أسبوع. ما إن أطلت علينا الصحوة أو الغفلة بشيوخها، حتى خطفت كل شيء جميل في المجتمع، وصوّرتنا وكأننا نعيش حالة جاهلية للأسف، وأتذكر أن المسافر في المنطقة الوسطى لا يجد أسطوانات للفنانين الشعبيين الذين تعود على سماعهم من قبل في أي من المدن أو القرى التي يمر بها في سفره. حرَّموا الغناء والفن بالمطلق، وأصبحت التسجيلات الإسلامية هي بديل التسجيلات الفنية، ودفعوا لأصحاب تلك التسجيلات المبالغ الطائلة حتى يسيطروا عليها، وأصبحت ظاهرة التسجيلات الإسلامية هي السائدة حتى فترة قريبة. في سياق مناهضة الغناء والفن في تلك المرحلة الظلامية، تراجع العديد من الفنانين الشعبيين عن الغناء، واعتزلوا فنهم، وكان إعلام الصحوة يطلق على من توقف منهم مسمى «التوبة»، في دسٍّ وتمرير واضح أن ما كان يقوم به هؤلاء الفنانين الشعبيين هو من باب الخطيئة والكفر، وبالتالي ينطلي على المجتمع بأكمله، وللأسف أنهم نجحوا في ذلك، بل إن شيوخهم هم من تسيّد فضاء الكاسيت بخطبهم الدينية، التي أعادت تشكيل ثقافة المجتمع المحارب للفن بأشكاله كافة، وللغناء خصوصاً، ولا أبالغ إذا ما قلت إن محاربة الحفلات الغنائية المستمرة حتى الآن في مجتمعنا هي نتاج تلك المرحلة الصحوية المنظمة وبدقة متناهية، على رغم محاولات بعضنا الجادة للنهوض بهذا الجانب الفني في مجتمعنا، وكلنا يتذكر قبل فترة حادثة فصل مكبر الصوت الذي كان يصدح بأغنيات في أحد المهرجانات الصيفية من قبل إحدى السيدات، إنها حالة جذّرتها حركة الصحوة وشيوخها للأسف في المجتمع، وما زلنا نعاني منها إلى الآن، على رغم محاولات الانفتاح والتحديث وصناعة الترفيه، إلا أن ما شكلته تلك المرحلة الصحوية يقف حاجزاً في مسيرة الانطلاق نحو «أنسنة» المجتمع بفنونه وتراثه مثل أي مجتمع طبيعي. في المقابل، هناك إشارات مضيئة ومفرحة أن المجتمع بدأ ينعتق ويخرج من ثقافة الصحوة ومحاربة الفن، ومن ذلك ظهور ابنة أحد فناني المنطقة الوسطى فهد بن سعيد (وحيد الجزيرة) وهي فاطمة بنت فهد بن سعيد، التي لخصت كيف كانت الضغوط والإرهاب باسم المناصحة، مع الإغراءات المادية التي «لم يصدقوا» بها لأبيها الفنان حتى أعلن اعتزاله الفن، وفعل غيره الكثير مثل الفنان عبدالله الصريخ. من بريدة، أطلّت فاطمة بنت فهد بن سعيد بشكل طبيعي تتحدث عن والدها ومسيرته الفنية، وبشكل ومنطق صادم لمن تأثروا بالفكر الصحوي، ولكن للبعض الآخر ظهورها بهذا الشكل النقدي يشكل دلالات على أن المجتمع المحلي في طور العودة إلى حالته الطبيعية الإنسانية.. فشكراً لفاطمة بنت فهد بن سعيد على فضحها لهم. نقلا عن الحياة

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up