رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

توطين المكاتب العقارية يا وزارة العمل

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

إن لاحت في ذهنك ذات يوم فكرة أن تقوم بتعداد ورصد تشوهات وعلل سوق العقار لدينا، فاعلم أنك قد تستغرق أياما طويلة من التفكير والبحث والاستقصاء، واعلم أيضا أنك كلما توغلت عميقا في هذا الطريق الشائك، ستكتشف مزيدا من الأسرار والتشوهات التي لم تكن لتخطر على بالك أبدا.
من تلك العقبات الكأداء التي ستصيبك دون أدنى شك بالدوار الشديد؛ السيطرة شبه المحكمة للعمالة الوافدة على المكاتب العقارية! دع عنك عالم الغموض الذي يلف الدهاليز الخفية جدا لسوق العقار، التي بدأت الشفافية والبيانات تخترقها شيئا فشيئا منذ نحو عامين فقط، ولا نزال نحلم جميعا بمزيد من النور الساطع لكل ركن من أركانها على مستوى تنظيمها ومراقبتها ومعلوماتها، حتى لا تجد مترا مربعا واحدا من صفقاتها إلا وقد أصبح مكتمل العتاد نظاما ورقابة ومعلومة.
أعود إلى الصندوق الأسود الأكثر غموضا حتى تاريخه؛ للسيطرة شبه المحكمة للعمالة الوافدة على أنشطة وعمليات المكاتب العقارية، التي وصلت إلى مستويات متقدمة جدا من بناء شبكات العلاقات والتنسيق والنفوذ فيما بينها، تتشكل من مستويين رئيسين: المستوى الأول ممثلا في دائرة التنسيق والسيطرة على أكبر حصة من السوق العقارية حسب "جنسية" أقطاب تلك الدائرة. تنتقل إذا تطلب الأمر وفق "أعراف سوقية محددة" إلى المستوى الثاني، تلك "الأعراف" التي استغرق تشكلها والاتفاق عليها والعمل بها سنوات عديدة، سمح بتكونها وسيطرتها حتى أصبحت على ما هي عليه اليوم من قوة نافذة لا يشق لها أمر؛ الغياب شبه التام للإشراف والرقابة والتفتيش والمتابعة والتدقيق وبقية الإجراءات النظامية اللازمة عليها. فما هو هذا المستوى الثاني يا ترى بعد هذا الاستطراد القصير؟!
المستوى الثاني: قيام علاقات أوسع وأكبر بين عدة دوائر من جنسيات مختلفة، تستهدف بالطبع حماية الحصص السوقية المسيطر عليها من قبل كل دائرة على حدة، وتسوية المستحقات المالية فيما بينها، من خلال تبادل المعلومات والمنافع وتلبية احتياجات المستأجرين والمشترين على حد سواء، وهي الأدوار والمهام ذاتها التي تتم تحت سقف المستوى الأول، إلا أنها تتم في هذه الحالة على نطاق أوسع يجمع فرقاء في الجنسية.
استفادت العمالة الوافدة كثيرا من عدد من الأسباب والتشوهات حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من سيطرة شبه كاملة على أنشطة المكاتب العقارية، بوأتها تلك السيطرة والنفوذ الكبيرين في ظل ما ذكرته أعلاه من تشوهات جسيمة في السوق العقارية، للإسهام في زيادة تعقيدات الأزمة العقارية والإسكانية لدينا، كان من أخطر تلك الأدوار التي قامت بها: (1) الزيادة غير المبررة في الأسعار، سواء أسعار الأصول العقارية باختلاف أنواعها، أو على مستوى تكلفة الإيجارات سكنيا أو تجاريا. (2) محاربتها وطردها للمستثمرين والعاملين من المواطنين في المكاتب العقارية، وهو أمر له مبرراته المجزية جدا ماديا قبل أي اعتبار آخر، بل هو أول أسباب اجتذاب الاهتمام الشديد للعمالة الوافدة بنشاط المكاتب العقارية، التي تتولى تنفيذ أدوار الوساطة العقارية كافة بيعا وشراء وتأجيرا، وما يدره هذا النشاط من دخل مجز وكبير، فوفقا لإجمالي كل من قيم الصفقات العقارية وإيجارات المساكن ومختلف العقارات خلال الفترة 2013-2015 الذي تجاوز سقف 1.8 تريليون ريال، يقدر تجاوز عمولة سمسرة المكاتب العقارية على أقل تقدير خلال الفترة نفسها بنحو 46.1 مليار ريال! ومن يستطيع في ظل شبه الغياب الإشرافي والرقابي على أنشطة المكاتب العقارية، ردع أيادي العمالة الوافدة عن اقتناص هذا الريع الثمين؟!
نشأ تحت هذا التمكن المتين للعمالة الوافدة من المكاتب العقارية، كثير من المساوئ الخطيرة جدا، بدءا بإغلاق الخيارات على المستفيدين والمستهلكين على حد سواء، والتحكم المفرط دون قيد أو شرط في أسعار البيع والشراء والإيجارات، ولا عجب فكلما ارتفعت الأسعار والإيجارات، زادت بكل تأكيد الغلة الثمينة من السمسرة والوساطة، وتطور في الوقت ذاته دور تلك المكاتب العقارية من مجرد الوساطة العقارية، إلى لعب دور أكبر من ذلك بكثير تمثل فيما يشبه دور "صانع سوق"، انحصرت مهمته الرئيسة هنا فقط إلى دفع الأسعار والإيجارات للارتفاع الزاحف دون النظر إلى أية اعتبارات أو ظروف اقتصادية ومالية محيطة، وهو الخلل الذي تقع مسؤولية معالجته والتصدي له بالدرجة الأولى على كل من وزارتي التجارة والاستثمار والإسكان.
مرورا عبر تكتلاتها التجارية حسبما أشرت أعلاه، بمحاربتها للمستثمرين والعاملين من المواطنين في هذا النشاط (موضوع هذا المقال)، واجه المواطنون، كما يؤكد الواقع المرير للنشاط على وضعه الراهن، عدوا شرسا لا مجال للوقوف في وجهه، وهو ما تقع مسؤولية معالجته القصوى على وجه السرعة على كاهل وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، وأهمية انتزاعه فورا من تصنيفه المتواضع ضمن نشاطات برنامج نطاقات تحت مسمى (مكاتب التحصيل وخدمات العقارات)، الذي حدد نسبة السعودة فيه بدءا من النطاق الأخضر المنخفض بالنسب التالية: المنشآت الصغيرة بنسبة 24 في المائة، فالمتوسطة بنسبة 29 في المائة، فالكبيرة والعملاقة بنسبة 31 في المائة، يمكن لجميع تلك المنشآت في نهاية المطاف دخول النطاق البلاتيني بتحقق نسبة توطين لا تقل عن 60 في المائة. والدفع به تحت برامج التوطين الكامل شأنه شأن نشاط محال الاتصالات، وتكرار تجربتها على وجه السرعة فيما يتعلق بالمكاتب العقارية.
دفع الجميع دون استثناء الثمن الباهظ لاهتراء الوضع الراهن للمكاتب العقارية، المستثمرين والعاملين والمستفيدين والمستهلكين من المواطنين على حد سواء، وتسبب كل هذا في زيادة التحديات التنموية الجسيمة على كاهل الاقتصاد الوطني والمجتمع، وأصبح لزاما على الأجهزة الحكومية ذات العلاقة في مقدمتها وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، مهمة التصدي الجاد والسريع لمخاطر وفوضى سيطرة العمالة الوافدة على المكاتب العقارية، والانتقال به إلى منطقة الأمان تنمويا التي تخدم مقدرات البلاد والعباد، لا أن تعبث بها وتستنزفها دون قيد أو شرط كما هو عليه في الوقت الراهن! فهل نجد آذانا مصغية يا وزارة العمل والتنمية الاجتماعية؟ وإني لعلى يقين كبير أننا لن ننتظر طويلا حتى تستجيب لنداء أفراد مجتمعها، وتسهم في تغيير جذري للوضع الراهن للمكاتب العقارية المحتقن بهذه التشوهات والتجاوزات الصريحة. والله ولي التوفيق. نقلا عن الاقتصادية

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up