رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

أوهام مقاومة برامج التوطين

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

أن تستفيق فجأة عضلات جسد استغرق فترة طويلة نوما وكسلا، وتبدأ بحركة متسارعة الخطى؛ لا بد أن تصاب بشيء من التمزق، وشيء من الشد العضلي، وفي العموم لا بد أن تصاب بأشد أنواع التعب والإرهاق، وهي متاعب على الرغم من وطأتها الشديدة على الجسد الكسول؛ إلا أنها لا تقارن بحال أصيب صاحب ذلك الجسد المترهل بجلطة قاتلة، كانت ستحمله مودعا الحياة الدنيا إلى آخرته!
ليت حالة الكسل التي أصابت "جسد" سوق العمل المحلية طوال عقود مضت، وقفت عند ما يشابه كسل الجسد المذكور أعلاه، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك بكثير؛ إذ دخلت مرحلة إدمان مستعصية "للعقاقير المخدرة"، وأقصد بتلك العقاقير الاعتماد المفرط على العمالة الوافدة في كل صغيرة وكبيرة، وتمادى "الجسد" في إدمانه حتى صنع لنفسه "سعودة وهمية"، في حالة موغلة في الإدمان لم يسبق لها مثيل!
أنت هنا أمام أحد أمرين؛ إما ترك ذلك الجسد المترهل مدمنا، والسماح له بتقدم حالة إدمانه إلى أن يقضى تماما عليه ويلقى حتفه! أو أن تصعقه بجلسات علاجية إلى أن يعود إلى وضعه الطبيعي والسليم!
لقد استغرقت سوق العمل المحلية عقودا طويلة جدا من الإهمال والتجاوزات والتشوهات، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من امتلاء أحشائها وأوردتها وشرايينها بالسموم، وتجاوزت آثار استشراء تلك السموم في سوق العمل إلى ما هو أبعد من السوق ذاتها، لتطبق آثارها السامة على أغلب أوجه الاقتصاد والمجتمع بعاداته وتقاليده وأنماطه المعيشية والسلوكية إلا ما رحم الله وهو قليل جدا.
لقد أصبح مستساغا جدا سماع مقولات كالمقولات التالية على سبيل المثال لا الحصر: "السعوديون ما يشتغلون"، "السعوديون لا يحبون الشغل والكرف"، "السعودي كسلان"، "تبي ينجح مشروعك، جيب أجانب وأبعد عن السعودي"، وغيرها من المقولات التي تحولت عبر زمن طويل إلى نظريات لا يشق لها غبار، بل لقد وصل الأمر إلى أنه ألا أحد من العالمين يجرؤ على الاعتراض على تلك العبارات والمقولات الصماء، ومن قد يعترض فإن عليه تحمل أهوال إثبات عكسها، والنتيجة محتومة في الأصل، فلن يصل إلا إلى الاصطدام بجدار صلب!
لست هنا لأثبت زيف تلك المقولات بالكامل، فأنا أعترف بوجود قدر لا يستهان به منها، إلا أنها لا تنطبق بشكل كامل كما يتم ترويجها وتعميمها على شبابنا وبناتنا لأي سبب كان، وما نجاح كوادر وطنية في مجالاتها المختلفة، وسط هذه الحالة الشديدة من الإدمان على العمالة الوافدة، إلا دليلا كافيا ليس فقط لإثبات كفاءة العامل السعودي مقارنة بغير السعودي، بل إنه يثبت أيضا علو همته، وقوة إرادته في وجه الطوفان ذي المد العظيم للإدمان على العمالة الوافدة، فلا يحق بعدئذ لببغاوات تلك المقولات صباح مساء، أن تجحف بأحكامها تجاه تلك الكوادر الوطنية المتفوقة.
في الوقت ذاته؛ أعترف كما أسلفت أعلاه بوجود نماذج على أرض الواقع من أبنائنا وبناتنا، تنطبق عليهم تلك المقولات بالكمال والتمام على الرغم من مرارتها، ومرارة الاعتراف بوجودها. السؤال الأهم هنا: كيف نبتت وتكاثرت تلك النماذج الخاملة والكسولة بيننا، وهي التي لم تكن معروفة من قبل في الأجيال التي سبقتها من الآباء والأجداد؟ أجيب؛ إنها لا تتعدى إحدى النتائج أو الآثار الاجتماعية والأسرية والنفسية، التي نتجت عن تفاقم حالة الإدمان المفرط على العمالة الوافدة! وهل كان أحدنا يتوقع نتائج أخرى تختلف عما نواجهه اليوم من مخاطر وعواقب وخيمة، نتيجة إدماننا المفرط على سواعد غيرنا من الأقوام والأمم؟!
نعم، لقد وصلنا إلى مفترق طرق، إما الاستمرار في حالة الإدمان على الوافد، وسنرى حينئذ علاقم متعددة المذاق لا علقما واحدا فقط! أو أن نضع حدا ونهاية حاسمة لحالة الإدمان هذه، مهما بلغ بنا الألم والتكلفة اللازمة للتخلص من سموم ذلك الإدمان!
من قال لأي ممن يحملون لواء مقاومة توطين الوظائف في بلادنا، إن الطريق إلى ذلك الهدف الوطني المنشود، سيكون ورديا؟ وكيف غاب عن أذهانهم، أن مخاطر استمرار إدماننا على العمالة الوافدة، يفوق في جزء صغير منها مليون مرة وأكثر، كل ما تفتقت عنه أفكارهم من محاذير وآثار وعواقب للتوطين (مثال توطين محال الاتصالات)؟ ومن أوحى لهم بزخرف القول وهما وغرورا، أن إنسانا اعتاد على الكسل والخمول يمكن أن يتعلم حرفة أو مهنة أو أي عمل كان، وهو ملقى به خارج أسوار العمل؟ وإن قدر له إدخاله داخل السور، تم وضعه في برواز عمل وهمي؟ لن يتعلم المرء السباحة إلا إذا ألقيت به في الماء، ولن يتعلم المرء لغة قومه إلا إذا سمع ونطق وقرأ وعاش على أرض الواقع فيها.
بقي السؤال الأهم: من هذا الذي أفرط وتسبب في حالة الإدمان على العمالة الوافدة؟! وكيف تحولت وتطورت حالة الإدمان تلك، حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه من حالة إدمان بالغة الإفراط؟ السؤال الذي يكمن في طيات الإجابة عليه، الأجزاء الأهم من تفسير أسباب هذا البلاء والداء العظيم، والأهم من ذلك كله؛ الوصول إلى ركائز وطرق الحل والمعالجة والشفاء! ستكون الإجابة عليه في الجزء التالي من هذا المقال بمشيئة الله تعالى، وهي الإجابة التي لن تتحرك قيد أنملة عن منطقة تقع تماما تحت عمودين لا ثالث لهما، العمود الأول ممثل في رجال الأعمال، والعمود الثاني ممثل في المتسترين، وإلى لقاء قريب هنا بإذن الله. والله ولي التوفيق.
 
 
نقلا عن الاقتصادية

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up