رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

الإصلاح الاقتصادي .. طريق وعر

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

نتفق جميعا على ضرورة إنفاذ أدوات الإصلاح والتطوير في أي شأن من شؤون حياتنا، ولعل الاقتصاد من أهم وأول تلك الشؤون في عصرنا الراهن، وهو هدف مشروع لا نقاش أو اختلاف حول ضرورة تحقيقه على أرض الواقع. لكن ينشأ الاختلاف عند اختيار البرامج والآليات والأدوات أو الطرق المؤدية إلى تحقيق ذلك الهدف المنشود من قبل الجميع، وهو اختلاف صحي ومثر للفكر وبيئة العمل، ويعد وجوده أحد مؤشرات نجاح عمل منظومة العمل القائمة على الإصلاح والتطوير، في حين يمثّل غياب الاختلاف والحوار الإبداعي "مثلبة" إن لم يكن أم المثالب على رأس المشروع بأكمله، وكما أن وجوده من أهم مؤشرات النجاح المأمول، فلا شك أن غيابه أو تغييبه إن حدث؛ فهو من مؤشرات عدم تحقيق المأمول.
لم يكن مرضيا في السابق استدامة اعتماد اقتصادنا الوطني على مورد وحيد ناضب، الذي اختبأ تحت فوائضه الهائلة آنذاك الكثير من التشوهات الهيكلية للاقتصاد "الاحتكار، أزمة العقار والإسكان، تفاوت مستويات الدخل، البطالة، التضخم... إلخ"، كنت وغيري من أبناء هذا الوطن الغالي ننشد طوال تلك المرحلة الزمنية المتسمة بالرخاء الاقتصادي والمالي الوفير، ونؤكد دوما أن بالإمكان أفضل مما كان، وأن ما تحقق من نمو اقتصادي وفوائض كان ناتجا بدرجة كبيرة عن ارتفاع أسعار النفط، وأن ركائز الاقتصاد داخليا ليست على القدر الكافي من القدرة الإنتاجية والتنافسية، التي لا أقول فقط تمنحك الاستقلالية الكافية بالاعتماد المفرط على النفط، بل إنها ستفتح أمامنا طرقا أكثر اتساعا، وتمنحنا خيارات أوسع لتجاوز الكثير من التحديات التنموية الراهنة، بدءا من البطالة وانخفاض مستوى الدخل وضعف قاعدة الإنتاج مرورا بأزمات الإسكان وضيق فرص الاستثمار وتأسيس المشروعات الإنتاجية، انتهاء بالقضاء على عديد من التشوهات الهيكلية التي تشكلت وانتشرت في مختلف أنحاء اقتصادنا من احتكار وتستر تجاري وتضخم مفتعل للأسعار.
صوت الإصلاح والمطالبة به لم يغب أبدا طوال المرحلة من الطفرة، على الرغم من التصدي الشديد القبضة له من قبل كتاب اقتصاديين وإعلاميين معروفين، التي أسعدها كما يبدو بهجة ما رأته من فوائض، لكن خانها تقديرها، وأعجزها قصور فهمها وخبرتها عن فهم وإدراك ما كان يجري من تطورات تحت سطح تلك التطورات في تلك الحقبة، ومن المؤسف أن هؤلاء الكتاب الاقتصاديين والإعلاميين يكررون أخطاءهم نفسها في الوقت الراهن، لكن بطريقة أكثر فجاجة من السابق؛ حينما تمارس في سطحية تامة تأييدا أعمى من قبلها لما كانت تحاربه في الأمس القريب، من إصلاح منشود ومأمول لمختلف جوانب حياتنا، ولا عجب أن ترى من تلك الأصوات ما ترى، إنما يجب الحذر كل الحذر من الاستماع إليها، ذلك أنها لن تقدم لصانع القرار شروى نقير، فلن تسمع منها إلا كلاما يؤذي التفكير ومنهجيات اتخاذ الإجراءات والقرارات السديدة، على أن هذا الجانب ليس رأس ولا عنوان ما أتحدث عنه هنا.
إنما الحديث الأهم، بل الأقصى أهمية في طور سلسلة الإصلاحات والتطوير الجاري العمل بها حاليا، أن يتم الأخذ بعين الاعتبار عددا من الجوانب البالغة الأهمية، التي إن أغفل الاهتمام والتفكير فيها، قد يترتب عنها، لا قدر الله، نتائج معاكسة لما تستهدفه عمليات الإصلاح والتطوير.
إن تناول ما يجري من إصلاحات وتطوير بالنقاش والحوار والفكر، وأحيانا قد يكون بالدفاع المستميت بالحجة والدليل، هو في الأصل إثراء وأفق أكثر اتساعا، يجب الترحيب به وإضافة قيمته النوعية إلى رصيد منجز منظومة العمل الهادفة للإصلاح والتطوير، لا أن ينبذ أو يحارب أو حتى يتم تجاهله، ولهذا كان التحذير أعلاه من أصوات اعتادت التصفيق الأعمى لأي شيء، مع أن صاحب القرار يريد ويبحث عمن يقدم له الرأي والمشورة بكل إخلاص وأمانة وهذا من أهم متطلبات نجاح أي إصلاح وتطوير يتم العمل عليه.
الدين النصيحة، وأمرنا شورى بيننا، نستمع جميعا للآراء والأفكار مهما بلغ الاختلاف فيما بينها، ومن ثم نبدأ العمل في منظومة متكاملة متجانسة بعد صهرها تماما، والانطلاق من ثروة أفكار ورؤى وخبرات عديدة متنوعة، عوضا عن الاعتماد فقط على فكرة أحادية، قد تكون ذبلت حياتها قبل أن ترى النور، وقبل أن تواجه ما لا طاقة لها به. طريق الإصلاح والتطوير طريق بالغ الوعورة، وطريق شائك بالكثير من التحديات والمصاعب والمعوقات، ليس في الإمكان اجتيازها بسهولة أو دون دفع الثمن، حسبما قد يعتقد بعض من يسمون أنفسهم "خبراء" في مجالات محددة بعينها، بينما تجد خبرتهم في مجالات أخرى أكبر وأهم حضاريا واجتماعيا وتاريخيا حتى نفسيا، قد لا تتعدى أرنبة أنفه الناعم! ولو كان الإصلاح هينا أو يسيرا كما يعتقد البعض؛ لما ارتعد أمام قواصم معاركه دول ومجتمعات على امتداد تاريخ البشرية، فلا مجال لأن نتجاهل مثل هذه الحقائق الحتمية، فنغامر على غير هدى في الذهاب بعيدا في طريق نجهل منه أكثر مما نعلم، ولا مجال أيضا أن ننكفئ على أنفسنا رافضين التغيير والتطوير، خشية من وعورة طريق الإصلاح، ولهذا كانت الشورى والحوار والفكر والتعاون على البر والتقوى والعمل الصالح.
أحاديث طويلة وعديدة سيمتد بها النقاش هنا في مقالات قادمة، إن تريد إلا الإصلاح والتطور والتقدم لنا ولبلادنا الخيرة، أتناول من خلالها أهم وأولى ملفاتنا الاقتصادية والمالية، طموحا في إثراء حواراتنا وتفكيرنا المشترك حولها، وإسهاما في تحقيق الغاية الأسمى من جهودنا جميعا الساعية لنهضة بلادنا وأهلها تحت قيادتنا المخلصة أيدها الله، وإلى الملتقى قريبا لاستكمال الحديث حول هذه الملفات. والله ولي التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up