البيت الأبيض .. والكيل بمكيالين!
أمريكا التي لم تكتف بتدبير الانقلابات في دول القارة الأمريكية الجنوبية ، وتجنيد الجنرالات ، ومساعدتهم علي التنكيل بمعارضيهم ، والقيام بعمليات التعذيب البشعة ، وسرقة أموال شعوبهم ، هي ذاتها أمريكا التي تبشر بالديمقراطية وحقوق الإنسان وزعيمة العالم الديمقراطي الحر.
صحيح أن كلمة ((المبادئ)) في قانون السياسيين تعتبر مصطلحاً ميتافيزيقياً ، وكلمة مبهمة لا تعني شيئاً محدداً ، وإنما هي القناع الذي تلبسه الضرورات التكتيكية ، وقد أوصي ميكيافيلي بحذفها من هذا القاموس لعدم حاجة القوة إليها ، ولعدم جدواها بالنسبة للسلطة السياسية ، إلا أن الدول كالأشخاص والأفراد ، تحتاج إلي قدر من المصداقية والوقار حتى يصبح التعامل معها ممكناً ، والتعاهد والتعاقد معها مضمون النتائج .
أما أن تقول شيئاً وتفعل شيئاً آخر مناقضاً ..
وأما أن تكيل بمكيالين فأمر يربك الآخرين ، ولا يعرفون علي أية قاعدة يتعاملون معها .
وتكاد تكون هذه السمة – لا الغالبة بل – الثابتة والدائمة في سجل علاقات الولايات المتحدة الخارجية .
وإذا عدنا إلي ملف علاقاتها السعودية التي بدأنا بها ، سنجد -وكلنا يذكر– أن الولايات المتحدة ، رغم علمها بالتوجهات السلمية للمملكة ، إلا إنها تواجه تعنتاً حين تطلب شراء أسلحة للدفاع عن نفسها ، بحجة إحتمال استعمال هذه الأسلحة ضد إسرائيل في المستقبل ، في حين تلبي طلبات إسرائيل حين تطلب أحدث ما في ترسانة أمريكا من أسلحة وبالمجان .
وأحيانا لا يبدو الأمر كما لو كان تناقضاً في السياسات ، بل يصبح غشاً وخداعاً واضحين .
إذ كانت أمريكا منذ عهد الرئيس ترومان تخصص معونات ومساعدات عسكرية واقتصادية للدول التي تلتزم بالسلوك الجيد إزاء مصالح الولايات المتحدة ومطالبها .
وبالنسبة للدول العربية فقد تم ربط هذه المساعدات الاقتصادية والعسكرية بتحقيق السلام مع إسرائيل والتطبيع معها ، وقامت الأردن التي صدقت تعهدات أمريكا بتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل ، مع وعد أمريكي بتنفيذ برنامج مساعدات أمريكية تمتد إلي عشر سنوات تبلغ قيمته (2.5) بليون دولار ، وكان هناك تلميح إلي أن الولايات المتحدة يمكن أن تعطي الأردن بعضاً من المساعدات السنوية المخصصة لإسرائيل .!!
إضاءة :
******
علاقة المملكة العربية السعودية بالولايات المتحدة الامريكية كانت ، ومنذ ما قبل منتصف القرن الماضي تقوم علي صيغة تحالفية اطمأن إليها الطرفان ، ورغم ما كان يعتريها من توتر بين حين وآخر بسبب اختلاف وجهات النظر ، وتضارب المصالح في بعض الأحيان ، مثلما حدث إبان حرب أكتوبر حين استعملت السعودية نفطها سلاحاً انطلاقاً من مسؤولياتها الدينية والقومية والأخلاقية .
وطيلة تاريخ هذه العلاقة كانت السعودية هي الطرف الأكثر بذلاً وعطاءً ، بما كان في بعض الأحيان يتناقض مصالحها الآنية من اجل استمرار هذا التحالف بما يحفظ استقرار المنطقة ، وما يدعم السلام العالمي ، وقد قدمت المملكة العديد من التضحيات في سبيل هذه الأهداف ، ودفعت العديد من فواتير استحقاقات تنفيذها علي ارض الواقع .
لا يوجد تعليقات