رئيس التحرير : مشعل العريفي
 أ.د.صالح بن سبعان
أ.د.صالح بن سبعان

مجالسنا البلدية ..والثقافة الغائبة

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

هاتفني صديق وزميل في هيئة التدريس بإحدى جامعاتنا قبل أيام ، وتطرق الحديث بيننا ، ضمن الاهتمامات العامة المشتركة ، إلى انتخابات المجالس البلدية التي كما لاحظنا ، لم تحظ بالاهتمام الذي شهدته دورتها الأولى ، وقبل أن نتساءل عن أسباب هذا التراجع الملحوظ في الإقبال على المشاركة فيها ، فجّر مفاجأة في وجهي حين قال بأنه فوجئ بمن سجل اسمه غيابيا في كشوف الناخبين رغم انه لم يسجل اسمه ، وبينما سبب له هذا إرباكا وشيء من الامتعاض ، بدا لي الأمر مما يدعو للسخرية والضحك ، فمن فعل ذلك لم يعلم بأنه ارتكب جرما يحاسب عليه القانون ، لأن هذا مما يدخل في باب التزوير ، ولا يمكنك أن تتخيل بأنه فعل ذلك وهو مدرك لأبعاد ما يفعل ، وإنما فعله بحسن النية ولدوافع يراها خيّرة وتخدم المصلحة العامة ، ولكن وكما يقول الفرنسيون في أمثالهم : إن الطريق إلى الجحيم مرصوف بحسن النوايا!.
لسنا هنا بصدد هذا الموظف ، ولا بصدد من هو أعلى منه مرتبة في السلم الوظيفي ممن أمره بأن يفعل ذلك ، وإنما ما يهمنا حقيقة هو دلالات هذا الفعل ،وهي كما لا يخفى بسبب قلة الإقبال على التسجيل ، ويبدو هذا واضحا لا يحتاج إلى دليل ، فالانتخابات الماضية شهدت إقبالا كبيرا ، تمثل في إعلانات المرشحين ، وأخبارهم الاجتماعية التي ضجت بها الصحف ، وفي الولائم الكبيرة المعلن عنها ، حيث صرف بعضهم الملايين من حر ماله، والبعض مما خصصه لدعمهم بعض "رجال الأموال" ، ولا نقول "رجال الأعمال" ، وأغلب الظن إن بعضا ممن تحمسوا للترشح بهذه القوة والإصرار كانوا يتصورون بأنهم سيكونون من أصحاب القرار ، أو أنهم يمكن أن يكونوا مؤثرين على نحو ما في إدارة شئون مناطقهم وبلدياتهم والرقابة على أداء الأجهزة التنفيذية فيها ، بينما كان البعض الآخر منهم يمني النفس بأن عضوية المجلس ستضمن له شيئا من النفوذ الاجتماعي وإنها نوع من البرستيج أي المظهر الاجتماعي المتميز.
إلا أن شيئا من ذلك لم يتحقق على كل حال لمن فازوا بالعضوية ، فقد نسيهم الجميع ما أن هدأت ضجة الانتخابات ، وأنشغل الناس عنهم بمستحدثات حياتهم اليومية ، فضاعوا في الزحمة ولم تتحقق الشهرة ولا النفوذ ولا التميز الاجتماعي ، ولم يعد أحد يذكرهم أو يتذكرهم. بل اكتشفوا بأنهم وأمام حائط البيروقراطية الفولاذي لا حول لهم ولا قوة على التأثير في شأن مناطقهم وإنهم (لا يهشون ولا ينشون) وبالتالي لا نفوذ لهم يستفيدون منه شيئا حتى لو أراد بعضهم، أما من ناحية المواطنين فان المسألة برمتها انتهت بانتهاء حفل الانتخابات التي جاءت كحدث جديد أضاف إلى طعم حياتهم اليومية الرتيبة نكهة مختلفة نوعا ما، وبما أن الإخوة الأعضاء المنتخبون لم يكن بيديهم ما يقدمونه لمواطنيهم فان هؤلاء بالتالي لم يجدوا ما يدعوهم لتابعة أخبارهم. وهكذا فقدت اللعبة بريقها. إلا أن ما يمكن الخروج به من عبر ونتائج ، هو أننا في حاجة ماسة إلى الثقافة الانتخابية ، والى أن نتعرف عليها كممارسة اجتماعية ، والتعرف على أدبياتها ونظمها.

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up