رئيس التحرير : مشعل العريفي
 محمد آل الشيخ
محمد آل الشيخ

إما تجريم النعرات المذهبية أو فانتظروا الطوفان

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

لا يمكن أن يتعايش الناس سواء على مستوى الدولة الواحدة، أو على مستوى العلاقات بين الدول، إلاّ بتكريس فكرة (المواطنة)، وهي التي ترتكز على مفهوم (التعايش رغم الاختلاف). أغلب الأوطان في كل أصقاع الدنيا تحتوي مكوناتها على توجهات سياسية وأديان ومذاهب، متفاوتة، ومختلفة فيما بينها، ولا يمكن لهذه التباينات والاختلافات أن تنتهي، أو على الأقل تنتهي شرورها، إلاّ بفكرة (المواطنة) ونبذ الطائفية والمذهبية، التي هي قيمة عليا يشترك فيها أبناء الوطن الواحد رغم اختلافهم دينياً ومذهبياً، وكذلك اختلاف الأصول المنحدرين منها. المتأسلمون المسيّسون يرفضون المواطنة، ولكاهنهم الهالك «سيد قطب» عبارة شهيرة تقول: (وما الوطن إلا حفنة من تراب نجس)، لذلك فهم يعتبرون الانتماء العقدي الأيديولوجي يعطي الفرد المواطن تميّزاً على من يختلف معه في العقيدة، فالمتأسلمون يعملون بكل قواهم على تسيّد الأيديولوجيا وفرضها بالقوة كرابط يعلو على رابط المواطنة، وبذلك فالمواطن هو فقط الذي يؤمن بما هم يؤمنون به. ما يسمّى الربيع العربي، والحروب الأهلية الطاحنة التي نشبت بين أبناء الوطن الواحد، كان باعثها الأول والرئيس تقدم الانتماء للمذهب على الانتماء للوطن، الأمر الذي أفرز هذه الفتن والتقاتل والحروب الأهلية في العراق وسوريا وليبيا واليمن، وشعوب الدول التي سلمت من التطاحن والحروب الأهلية، تجد أنّ مواقف عوامهم تنبع من مساندتهم لهؤلاء لأنهم من مذهبهم أو طائفتهم وتناوئ أولئك لأنهم من مذهب آخر، فالأخوة اختزلوها في الأخوة المذهبية.
وستبقى هذه الحروب والفتن تنتقل من مكان إلى مكان، ومن هذه الدولة إلى تلك، حتى يتفقوا أنّ الدين والمذهب مسألة شخصية، لا علاقة للآخر بها، والأهم من كل ذلك أن تنأى الدولة بنفسها عن نصرة هؤلاء وإقصاء الآخرين، وأن يُطبق على الأرض فعلياً أنّ المواطنين يشتركون في الحقوق والواجبات، لا فرق لأحد على أحد، ولا إقصاء لهذا بسبب مذهبه، وتقريب للآخر بسبب مذهبه. وهذه هي جوهر (المواطنة) التي ندعو إليها، ونعتقد جازمين أنها الحل الذي لا حل سواه لاجتثاث العنف والإرهاب.
ولكي أكون موضوعياً لا بد من القول إنّ تكريس قيم (المواطنة)، لترث قيم المذهبية والكراهية الموروثة، وتحصين الوطن من الفتن. فإننا نحتاج إلى زمن، وإلى جهود لا تكل ولا تمل، على مستوى التعليم أولاً، وعلى المستوى الإعلام ثانياً؛ والأهم من ذلك لا بد من استحداث أنظمة وقوانين تُجرم النعرات الطائفية والمذهبية، وتعتبر من يثيرها، على أي منبر، معرّضاً للمساءلة والتجريم والعقاب الرادع.
نقلا عن الجزيرة

arrow up