رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد الأحمري
فهد الأحمري

الدبلوماسية يا مجلس الشورى

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

تتصاعد أدوار الدبلوماسية البرلمانية للحكومات على المستوى الخارجي لدرجة التأثير على قرارات البرلمانات الأخرى بالإيجاب، نتيجة قوة حضور البرلمان وقدرات أعضائه، ومهاراتهم في التواصل والتأثير على الأطراف الأخرى. فإذا أردت معرفة قوة البرلمان وضعفه، خارجيا، فانظر إلى حضوره الدولي وتأثيره على نظرائه، مما قد ينعكس تلقائيا على قرارات تلك الدول.
نعلم أن قياس التأثير هذا لا يتأتى بكثرة مجموعات لجان الصداقة البرلمانية أو عدد أعضائها، بل هو بمقدار الأداء في المشهد السياسي الخارجي، غير أن النقص الحاد مخل عندما نرى أن لدى مجلسنا 10 لجان صداقة فقط، بينما البرلمان الأردني، مثلا، لديه 40 لجنة صداقة، والمغرب 120 لجنة مماثلة. صحيح أن مهام البرلمانات جلها داخلية، كالتشريع، والرقابة على أعمال الحكومة، وتمثيل الشعب أمام الحكومة، إلا أن ضعف مكانة المجلس لدينا في النطاق الداخلي، وعدم قبول المواطن لأدائه أمران ملموسان، بل وصل الأمر إلى التهكم على بعض أطروحاته، وتصريحات بعض أعضائه الكرام.
هذه الأسباب وغيرها مجتمعة تدعونا لمقترح وهو تغيير بوصلة المجلس كليا للنطاق الخارجي لعله يفلح في هذه الوجهة ليكون رافدا للدبلوماسية الرسمية لدعم وتطوير العلاقات الثنائية والتصدي للحملات المعادية، لاسيما أن الخارجية تصارع وحدها في هذا الشأن في ظل شبه غياب لوزارة الإعلام الموقرة. قد يرى البعض غرابة المقترح فضلا عن صعوبته لذا قد ننتقل، تنزلا، لمقترح أخف وهو تفريغ أعضاء لجان الصداقة الدولية في المجلس للعمل على ملف الدبلوماسية الخارجية وإعادة ترتيب اللجان وعددها ومهمة كل لجنة. هل يعقل أن تغطي 10 لجان 144 دولة، بمعدل 14 عضوا لكل لجنة بحسب موقع الشورى الرسمي؟
يفترض أن جهود مجلس الشورى قد أسهمت في توضيح مواقف المملكة العربية السعودية ونقل الهوية الوطنية الحقيقية للبرلمانات الصديقة ومنها أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين تجاه مختلف القضايا الإقليمية والدولية وخاصة المتعلقة بالإرهاب‫.‬ ما دعا لهذا المقال هو دور المجلس المغيب تماما في قضية "قانون جاستا"، وغياب أثر علاقاته وحضوره على مجلس النواب الأميركي في قراره الأخير حديث الساعة. قد يظن البعض أن قانون جاستا هذا وليد المرحلة ولم يتسن بعد للأعضاء الكرام مداولته لدى نظرائهم الأميركان، غير أن الصدمة تقول إن هذا القانون بدأ العمل عليه منذ بداية تولي أوباما الرئاسة!
السؤال أين دور لجنة الصداقة البرلمانية السادسة في مجلسنا والمكونة من 15 عضوا؟! وللعلم فإن هذه اللجنة العزيزة ذات الـ15 عضوا، لديها مهام برلمانية مع 21 دولة، منها الولايات المتحدة الأميركية! لقد صوت المجلس الأميركي بأغلبية ساحقة على قضية تمس وطننا بطريقة غير مباشرة، وهي المرة الوحيدة التي يتم فيها نقض فيتو الرئيس أوباما على امتداد فترتيه الرئاسيتين، حيث كان ذلك بمثابة هزيمة تاريخية للبيت الأبيض. أليس الأجدر بنا أن نراجع أسباب فشلنا في العلاقات الخارجية، وتوجيه كافة طاقات ونُخب الوطن، ومن ضمنها مجلس الشورى، للدفاع عن وطننا وأفراده ومصالحه، بدلا من لوم أميركا وسبها وشتمها؟
نحتاج لقيادات شورية فاعلة لها حضور ثقافي ودبلوماسي واسع، كما هو حال معالي عادل الجبير الذي بالتأكيد لا يعدم الوطن وجود أمثاله. المجلس بحاجة ماسة لقيادات واسعة الثقافة ذات مهارات فائقة مع إجادة عدة لغات للمناضلة عن قضايا السعودية الخارجية المصيرية، وليس فقط قضايا الطفولة ورعاية الأمومة.
شاهدنا وفد الشورى المكثف في مؤتمر البرلمانيين العرب حول قضايا الطفولة، برئاسة الرجل الأول في مجلس الشورى، والذي من باب أولى أن يكون برئاسة عضوة من سيدات الشورى لقرب المرأة من قضايا الطفولة. الملفت أن وفود الشورى إلى خارج المنظومة العربية تسجل غيابا واضحا لقيادات المجلس وخاصة في الدول الغربية. بماذا نفسر غياب الشخصيات القيادية الأولى في مجلسنا الموقر عن تمثيل بلادنا في المشاركات الدبلوماسية في الغرب خاصة؟ حتى في قضية استقبال الوفود الغربية ومنها الأميركية داخل الوطن يتكرر غياب ذات القيادة. السؤال كم مرة زار قياديو مجلس الشورى الولايات المتحدة الأميركية على وجه الخصوص للالتقاء بقيادات مجلس الشيوخ والنواب الأميركي؟
ولا يفوت أيضا أهمية التأثير على أعضاء البعثات الدبلوماسية الأجنبية المتواجدين في أرض الوطن، فأين دور مجلس الشورى ولجان الصداقة البرلمانية عن هذا الباب لكون هؤلاء لهم تأثير كبير على بلادهم ومنهم من عاد لبلاده بحقيبة وزارية أو استشارية لرؤساء دولهم. نحن على وشك تشكيل شوري قادم غرة ديسمبر 2016 فهل يشهد المجلس تحولا جذريا، خاصة على مستوى قياداته، بحيث يكون ذا تأهيل عال عالمي، وليس تأهيلا عاليا محليا فحسب.
كذلك فإن تخصيص قناة إعلامية لمجلس الشورى خطوة مهمة نحو مأسسة إعلامية برلمانية تشتمل على فقرات باللغات العالمية تسهم في تغيير الصورة الذهنية عن المملكة وشعبها، فضلا عن فقرات أساسية تصل لقضايا تمس المواطن في الداخل. وإذا علمنا أن الدبلوماسية البرلمانية لها شكل ثنائي وآخر جماعي. حيث الثنائي يتجسد في الزيارات المتبادلة بين البرلمانات الأخرى وقد تلتقي مع مسؤولي الحكومات وكذلك مع الأطراف الفاعلة في المؤسسات المدنية.
أما الشكل الآخر الجماعي فيكون على صعيد الاتحادات البرلمانية الدولية لإدارة الملف الخارجي لكل دولة وفق سياساتها الخارجية. وعلى هذا تتبلور مهام الدبلوماسية البرلمانية في المساهمة في حل بعض القضايا والنزاعات الدولية وتقريب وجهات النظر عبر اللجان المشكلة لهذا الغرض. في كلتا الحالتين فإن الزيارات البرلمانية "الشورية" الخارجية هي للتمثيل عن الحكومة والمواطن للدفاع عن قضايا الوطن وشرح مواقف حكومته، بالإضافة إلى تصحيح الصورة النمطية السلبية عن المواطن، فإذا لم تفلح هذه المهام علمنا بأن المهمة تحولت لسياحة وعلاقات شخصية دولية لتلك الوفود، لأن أصل كلمة برلمان من "برليه" الفرنسية، بمعنى "تكلم"، وناقش وليس "تفسح".
نقلا عن الوطن

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up