رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

صندوق «رؤية سوفت بنك»

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

يمكن قراءة إعلان مجموعة "سوفت بنك" اليابانية عن تأسيسها "صندوق رؤية سوفت بنك"، الذي يستهدف تعزيز الاستثمارات في القطاع التقني حول العالم، وتوقيع مذكرة تفاهم غير ملزمة مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي، ليكون أكبر المستثمرين في الصندوق الاستثماري الجديد، باستثمارات يقدّر أن تصل إلى 45 مليار دولار أمريكي في منظور الأعوام الخمسة المقبلة، من إجمالي الحجم المستهدف لأصول الصندوق المتوقع وصولها إلى 100 مليار دولار أمريكي. أؤكد يمكن قراءة تلك الخطوة من صندوق الاستثمارات العامة في البداية، على أنها خروج بوتيرة إدارة الاستثمارات الخارجية من وتيرتها التقليدية، التي كانت معتادة في تاريخ سابق على معدلات ربحية ومخاطر متدنية، والانتقال إلى البحث عن رفع العائد على رؤوس الأموال، وإن اتسمت باقترانها بدرجات مخاطرة أعلى.
السمة الأخرى المهم الإشارة إليها هنا؛ هي الاعتماد في إدارة جزء من الاستثمارات الخارجية على إدارات استثمارية احترافية وذات أهلية، وتأتي أهمية هذه السمة المهمة حال الدخول إلى مجالات استثمار حديثة جدا كالقطاع التقني، وما يتطلبه ذلك من ضرورة توافر خبرة كافية حول تلك المجالات السريعة التغير، وسد فجوة تدني الخبرة المحلية بتلك المجالات، وكأنما هو استثمار آخر في الاستفادة من المعرفة والخبرة التراكمية لدى مؤسسات استثمارية عتيقة كمجموعة "سوفت بنك" اليابانية، وبما لا يقف حجر عثرة في طريق الاستثمارات السعودية في الخارج، قد يمنعها الاستفادة والاستثمار في المجالات المتسارعة النمو كالقطاع التقني، الذي يعد أكثر القطاعات نموا حول العالم.
بالنظر إلى حجم الاستثمارات السعودية خارجيا التي وصلت إلى نحو 3.7 تريليون ريال، مقابل 1.1 تريليون للاستثمارات الأجنبية بنهاية 2015، يمكن القول عن ثقة إنها أصبحت تتطلب في الوقت الراهن منهجية أخرى، تتطلب مزيدا من الجرأة والمغامرة المحسوبة. حيث تبنت "رؤية المملكة 2030" أن يقوم صندوق الاستثمارات العامة بتوزيع أصوله الاستثمارية بنحو 50 في المائة في المجال المحلي، ومثلها في الأسواق الخارجية، على أن تستهدف تحقيق معدلات ربحية أعلى وإن اقترنت بمخاطر أكبر، حيث ستكون لها فوائد تستحق التذكير هنا، لعل من أهمها: (أولا): اقتناص فرص الاستثمار المحلية، التي ستسهم في تنويع قاعدة الإنتاج للاقتصاد الوطني بالدرجة الأولى، وتعمل أيضا على فتح المزيد من فرص الاستثمار المحلية، وما ستؤدي إليه من زيادة توفير فرص العمل الكريمة والمجدية لأفراد المجتمع السعودي.
(ثانيا): اقتناص الفرص الاستثمارية المجدية والواعدة في الأسواق الخارجية، التي ستسهم بدورها في تعزيز دخل الاستثمار الخارجي، تنعكس إيجابا على زيادة الإيرادات غير النفطية. (ثالثا): إن زيادة تنويع قاعدة الإنتاج محليا، نتيجة زيادة كل من فرص الاستثمار والعمل، ستسهم بدرجة كبيرة جدا في إلغاء أشكال الاحتكار، وتؤدي إلى تحسين متوسط دخل الفرد، إضافة إلى دوره المهم في تعزيز وتوطيد النمو الاقتصادي. (رابعا): إن ارتفاع دخل الاستثمار العائد على الأصول الخارجية، وتأثيره الإيجابي في رفع حجم الإيرادات غير النفطية، سيسهمان في نهاية الأمر في تحقيق الهدف المالي الاستراتيجي بتخفيف الاعتماد المفرط على إيراد النفط المتقلب الأسعار في الأسواق العالمية، وتخفيف آثاره المتقلبة في الاستقرار المالي الحكومي.
(خامسا): إنّه في المنظور طويل الأجل، نتيجة لكل ما تقدّم ذكره يمكن القول، إن قدرة الميزانية الحكومية في جانب إيراداتها الأخرى، مؤهلة للتحسّن والنمو بصورة أقرب إلى الموثوقية، وهو فعلا ما سيتيح لها مرونة أكبر بعيدا عن تقلبات أسعار النفط من جانب، ومن جانب آخر بعيدا عن الزيادة التي قد تضطر إليها المالية العامة في مستويات الرسوم والضرائب الأخرى. (سادسا): أيضا ستؤهل تلك المعطيات المستجدة المالية العامّة لأن تعزز قدرة الإنفاق الحكومي الجاري والرأسمالي، وتمنحه مزيدا من الاستقلالية عن تقلبات أسعار النفط، التي طالما لعبت دورا سلبيا حال انخفاضها طوال العقود الماضية.
المهم في هذه المرحلة الزمنية؛ أن يتسم أي من تلك الاتجاهات الاستثمارية بعديد من مؤشرات الكفاءة، لعل من أبرزها وأهمها على الإطلاق، اتسامها بالشفافية التامة أمام الرأي العام والمجتمع، وهو ما بدأنا نشهده أخيرا عبر الإعلانات المتتالية من إدارة صندوق الاستثمارات العامّة.
أيضا من الأهمية بمكان، النظر إلى تلك التوجهات والسياسات الاستثمارية بمنظور أكثر شمولية، والأخذ في عين الاعتبار درجة ارتباطه وتأثيره في تنويع مصادر الدخل وقاعدة الإنتاج المحلية، وهي الأهداف التي نصّت عليها "رؤية المملكة 2030"، والواجب تقديمها على ما سواها من أهداف قصيرة الأجل، ذلك أنّ اقتصادنا الوطني في حاجة ماسة إلى إيجاد ملايين فرص العمل الكريمة، وهذا هدف لا يمكن تحقيقه إلا بتنويع قاعدة الإنتاج المحلية، وباستثمار أكبر قدر ممكن من الفرص الاستثمارية المحلية بالمشاركة مع القطاع الخاص، ولا يوجد في الوقت الراهن أكثر تأهيلا للقيام بهذه الأدوار الاستراتيجية من صندوق الاستثمارات العامة. والله ولي التوفيق.
نقلا عن الإقتصادية

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up