رئيس التحرير : مشعل العريفي
 مشعل السديري
مشعل السديري

كم عدد أسنان التمساح؟

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

الذاكرة وما أدراكم ما الذاكرة!! في صغري ثم في يفاعتي كنت معجبًا ومنبهرًا برجلين كثيرًا ما كانا يترددان على مجلس والدي رحمه الله، أحدهما إذا سمع قصيدة الشعر المكونة مثلاً من عشرين بيتًا، يسمعها مرتين وفي المرة الثالثة يعيدها هو بلسانه دون أن يغلط ببيت شعر واحد، وكنت أحسده من أعماق أعماقي متمنيًا لو أنني كنت هو - خصوصًا في حصة (المحفوظات) - عندما كنت تلميذًا بالمرحلة المتوسطة.
والثاني رجل يملك من الذاكرة ومخزون المعلومات وحتى التفاصيل الصغيرة ما يجعلني في حيرة كبيرة، كيف لهذا الشخص أن يتذكر كل هذا الكم الهائل من الأحداث بما فيها من تواريخ وأفراد وأزياء وأنواء وتضاريس وتعابير، دون أن يتردد أو يهتز، وإنني ما زلت أعتقد أن ذلك الشخص هو: إما أن يكون أعظم صاحب ذاكرة مر عليّ في حياتي، أو هو أعظم مؤلف وكاذب ومبدع مر عليّ في حياتي كذلك. ومع الأسف أن هذين الاثنين قد انتقلا إلى الرفيق الأعلى دون أن يسجلا ذكرياتهما.
وعالميًا فمن المشهود لهم بالقدرة الخارقة على التذكر كذلك هو: الجنرال جورج مارشال، المعروف بمشروعه المشهور: (مارشال) الذي أنقذ أوروبا من الانهيار الاقتصادي الكبير بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، والذي أوصلها إلى ما هي فيه اليوم من تطور. وحينما طرح (مارشال) مشروعه ذاك في مؤتمر صحافي حاشد، تلقى خلال ذلك المؤتمر ستين سؤالاً متتاليًا ودفعة واحدة من الصحافيين، وعندما فرغوا جميعًا من توجيه أسئلتهم تباعًا.
أطرق عدة لحظات صامتًا ومغمض العينين، ثم أخذ يرد على الأسئلة واحدًا تلو الآخر دون أن يخطئ حتى بالترتيب. ومن المعروف أن الأطفال أقوى ذاكرة من الكبار، وهناك أدلة كثيرة على إثبات ذلك، ولكنني أختار منها مثالاً واحدًا لحادثة معروفة، وذلك عندما ذهبت أسرة إلى حديقة الحيوان ومعهم طفلهم الصغير، وعلى ضفاف البحيرة شاهدوا تمساحًا فاغرًا فمه والتقطوا له صورة، وبينما كانوا عائدين بالسيارة إلى منزلهم سأل الأب طفله كنوع من المداعبة والتعجيز: كم عدد أسنان التمساح الذي شاهدناه؟!، فأخذ الطفل يعد على أصابع يديه وما هي إلاّ دقيقة واحدة حتى ذكر له العدد، طبعًا أخذوا كلام طفلهم على أساس أنه تخريف، غير أنهم بعد يومين وعندما (حمضّوا) فيلم التصوير، وحسبوا أسنان التمساح إذا هي مطابقة بالتمام والكمال للعدد الذي ذكره الطفل.
ووالله لو أنكم سألتموني الآن: ماذا كان عشائي في الليلة البارحة؟!، لتلعثمت. إن ذاكرتي محصورة فقط بأنواع معيّنة من الحوادث لا تقال ولا تكتب.

نقلا عن الشرق الأوسط

arrow up