رئيس التحرير : مشعل العريفي
 خالد السيف
خالد السيف

مثالب الوزيرين..!

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

ما من أحدٍ هو أشدُّ فرحاً من: «الوزراء» بهلاكِ: «أبي حيان التوحيدي» ومما زادهم فرحاً أنّ: «أبا حيان» مات/ عزباً إذ لم يُخلّف أحداً يأتي على إثره جُرأةً في تصنيف: «مثالب» قد يستحقها جملةٌ كبيرةٌ من وزراء جاءوا من بعد الصاحب وأبي الفضل بن العميد..!!
صحيحٌ أنّ الوزراء هم في الجملةِ ليسوا ملائكة/ ولا هم بالشياطين غير أنّهم: «خطّاؤون» بل ومن أكثر الناس تلبساً بالخطيئة..! ولعلّ خيرهم هو مَن سيتجاسر – خشية مقام ربّه – لِيُعلنَ توبتّه الصادقة – قِبالة الملأ – بيد أنها التوبة التي لا يمكنُ لها بأيّ حالٍ أن تتوافر على شروط القبول مالم تُتوّج بـ: «الاستقالة» ولنا في: «اليابانيين» أسوة حسنة!
لئن كان ذلك صحيحاً – بأنّ الوزراء ليسوا ملائكة ولا شياطين – فإنّ: «أبا حيّان التوحيدي» هو الآخر لم يكن بأنقى منهم سريرة ولا هو بصاحب الطويّة البيضاء!! وحسبنا أنه ما كان لِيًصنّف كتابه: «مثالب الوزيرين» لو أنه قد حظي من لدنهما بما كان يُمني نفسه من القرب من مجلسيهما (كقيمة اعتبارية لشخصه) والإغداق تالياً عليه بالعطايا والهبات..!
وبمعنىً آخر يسعني القول: إنّه كان مدفوعاً لتأليف كتابه الماتع «المثالب» بأنانيّةٍ متجذّرة في نفسيته القلقة التي ما فتئ يتبرّم منها.. إذ ليس لتأليف كتابه أدنى علاقة بالنصح ديانةً/ لأئمة المسلمين وعامتهم.! وبرهان ذلك صدقه مع نفسه إذ إنه مرّةً: قد قصد الصاحب بالريّ، آملاً أن ينال ببابه ما يطمئن إليه، فخيب أمله، وأساء معاملته، فتجرد للانتقام منه. فكتب: (وحرمني فازدريته، وحقرني فأخزيته، وخصني بالخيبة التي نالت مني، فخصصته بالغيبة التي أحرقته، والبادي أظلم) أما أبو الفضل ابن العميد فإن لأبي حيان معه مواقف هي أشدّ وأنكى خذلاناً من حيث الإزراء به والحط من قدره مع كلّ ما كان من أبي حيان من استخذاء/ وتذلل!
بهذا المعنى المتزلّف وحده يمكن وصف «التوحيدي» بـ (المرتزق) الذي أعيته الحيلة بسببٍ من نزقه توسلاً في سبيل كسب ودّ الوزيرين ومحاولاته المضنية ابتغاء استمالة قلبيهما نحوه ولمّا لم يُفلح في درك ذلك الشيء الذي يستشرفه كلّ: «المرتزقة»!! وجد نفسه بأُخرةٍ مضطراً – إشفاء لغليله – أن يصبّ جام غضبه في مؤلفه: «المثالب» على نحوٍ سافرٍ من النقمة على السلطة السياسية في حينها نتيجة تجربة بائسة عاشها متسولاً في بلاط: الوزيرين» الصاحب ابن عباد وابن العميد..
ولك أن تتصوّر النفسية التي سيكون عليها من يلقى في بلاطيهما مثل هذا الموقف: «إذ يروى أنّه همّ مرةً بالوقوف حين قدم الوزير ابن عباد احتراماً وتقديراً فصرخ في وجهه وقال: اقعد فالورّاقون أحقر من أن يقوموا لنا». تبقى لي من القول: التأكيد على أنّ ثلب: «الوزراء» في أيّ مصر/ وعصر يستعصي قبوله إلا حين يكون صدوره عن: «ناصح» لم تأكل نار الحسد قلبه ولم يُعرف بأنّه من زوّار القصور/ والدور ممن حفيت أقدامهم بحثاً عن: «الغنيمة».!
نقلا عن الشرق

arrow up