رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

إعادة تأهيل القطاع الخاص كشريك اقتصادي

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

يواجه القطاع الخاص مرحلة صعبة جدا، القطاع المؤمل أن يتحمل مزيدا من الأدوار الآن ومستقبلا. يراد منه أن يدفع بمعدل النمو الاقتصادي، ويراد منه أن يوفر مئات الآلاف من فرص العمل المجدية أمام الباحثين والباحثات عنها، ويراد منه أن تزداد مساهمته في دعم خزانة الدولة من جانب الإيرادات غير النفطية، ويراد منه أيضا أن يكون الشريك الأول ضمن برامج التخصيص، ويراد منه أن يندفع بخطوات أكبر وأسرع على طريق تنويع قاعدة الإنتاج المحلية.
أين الصعوبة في كل ما سبق ذكره؟ أليس أغلبها فرصا ممتازة بالنسبة للقطاع، ممثلا في زيادة توسعته وتمكينه على مستوى الاقتصاد الوطني، عوضا عن القول إنها صعوبات كأداء يواجهها القطاع؟ تكمن الصعوبة هنا في عديد من الجوانب، قبل أن أسترسل في سرد أهمها هنا، لا بد من الإشارة إلى أداء القطاع الخاص خلال الفترة الأخيرة، إنه تباطأ إلى 0.07 في المائة سنويا بنهاية الربع الثاني من العام الجاري، مقارنة بمعدلاته نموه السابقة بين 7.0 في المائة و13.1 في المائة طوال الفترة 2004-2013.
لعل من أبرز الصعوبات التي يواجهها القطاع الخاص على سبيل المثال لا الحصر: (1) إنه نتيجة للرعاية الحكومية المفرطة، ممثلة في حوافز انخفاض تكلفة استهلاك الطاقة محليا، أفرز لدينا منشآت "مدمنة جدا" لتلك الحوافز، وقد شهدنا كيف بدأ العديد منها يترنح بمجرد أن بدأت الحكومة في تخفيف وسحب تلك الحوافز مطلع العام الجاري، وسيزداد عليها الضغط مستقبلا تحت التخفيف المتدرج لتلك الحوافز، ولا يستثنى من هذا الإدمان كبير أو صغير بين منشآت القطاع الخاص.
(2) أيضا أفرز الاعتماد المفرط لدى شريحة كبيرة من منشآت القطاع الخاص على تدفقات المناقصات الحكومية؛ إدمانا مضاعفا لدى تلك المنشآت "تحديدا قطاع المقاولات"، شهدنا تهاوي عديد منها بمجرد بدء الحكومة ترشيد الإنفاق الرأسمالي قبل حتى أن يمضي عام مالي واحد، وتأثر أغلبها كثيرا من تأخر صرف مستحقاتها، بما يثبت بنسبة كبيرة جدا اهتراء كفاءة إداراتها إلى درجة بعيدة جدا، والغرابة تكون أكبر بالنسبة للشركات الكبرى التي كانت تستأثر بعقود سنوية تفوق قيمتها الإجمالية عشرات المليارات؛ أنها كانت أول الساقطين!
(3) كما أفرزت البيئة المهترئة لقطاع الأعمال، مئات الآلاف من المنشآت التي تأسست ونمت وتوسعت على الاستيراد بالجملة من خارج الحدود، والبيع بالتجزئة داخليا، وتحت إدمان "الحوافز الحكومية" المتعلقة باستهلاك موارد الطاقة، إضافة إلى ارتفاع الإنفاق الحكومي طوال الفترة الذهبية لأسعار النفط، وارتفاع القوة الشرائية لدى الأفراد، إضافة إلى الزيادة السكانية الكبيرة نتيجة الزيادة الهائلة لاستقدام العمالة الوافدة (جاء أغلبها من قطاع المقاولات)، نتيجة لكل ذلك تحقق لتلك المنشآت هوامش أرباح هائلة، سرعان ما بدأت في التقلص بمجرد انعكاس تلك الظروف الاقتصادية والمالية.
(4) أفرزت أيضا هذه الأنماط الأعلى سيادة في أروقة القطاع الخاص (مقاولات، استيراد بالجملة والبيع بالتجزئة)، على مستوى فرص العمل، وظائف متدنية المهارات ومتطلبات التعليم، كانت أحد أكبر الأسباب وراء ارتفاع استقدام الملايين من العمالة الوافدة متدنية التعليم والمهارة، في الوقت ذاته لم تكن ملائمة للباحثين عن فرص عمل من المواطنين والمواطنات ذوي الشهادات العليا، لهذا نقف اليوم أمام تكدس الملايين من العمالة الوافدة، وفي الوقت ذاته نعجز جميعا عن إيجاد فرص العمل الملائمة لمئات الآلاف من العاطلين والعاطلات من المواطنين، ولولا التفاف كثير من منشآت القطاع الخاص على برامج التوطين عبر (التوطين الوهمي)، لوقفت أمام معدلات بطالة حقيقية غير مسبوقة في تاريخنا الاقتصادي.
(5) لم تقف نتائج سيطرة تلك التشوهات الهيكلية على بيئة الأعمال المحلية عند هذا الحد، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك بكثير؛ فنتيجة لما تقدم ذكره، وأهمها تكدس العمالة الوافدة لدينا بأعداد هائلة جدا، نشطت وتوسعت أشكال "اقتصاد الظل"، وتوغلت أشكال التستر التجاري إلى أقصى درجات توغلها في أغلب النشاطات الاقتصادية والتجارية والصناعية والخدمية محليا، تحولت عبر سنوات طويلة إلى كيانات عملاقة تستحوذ في الخفاء على أغلب الأسواق المحلية، عجز في مواجهتها أغلب صغار رجال الأعمال المواطنين، ووصلت آثارها السلبية حتى إلى منافسة المنشآت الكبرى والمتوسطة.
الآن؛ ونحن نرى أن الهيكل الاقتصادي الذي أفرز هذه الأنماط المحددة من منشآت القطاع الخاص، يخضع في المرحلة الراهنة ومستقبلا لكثير من التغييرات الجذرية، لإخراجه من الاعتماد المفرط على عوائد النفط إلى منطقة أخرى مختلفة تماما، نعم أوسع خيارات وتنوع إنتاجي، لكنها في الوقت ذاته تتطلب قدرة أكبر بكثير من كل المتطلبات التقليدية السابقة على المستويات كافة.
مع التأكيد أن الإصلاح الاقتصادي الكلي الشامل الذي تقوده "رؤية المملكة 2030"، أمر لا يمكن التراجع عنه بأي حال من الأحوال. من هنا يمكن القول إن الإنقاذ المطلوب هنا للقطاع الخاص؛ ينطلق أولا: من ضرورة تشجيع وحماية ودعم المنشآت (قديمة، أو تحت التأسيس) التي يكفل وجودها تحقق رؤية اقتصادنا الوطني، بأن يكون منتجا ومنافسا ومبتكرا، لا مجرد منشآت تقتات على مناقصات الدولة، أو أخرى تفرط في الاستيراد من الخارج وتبيع في الداخل.
ثانيا: سينتج عن التحولات الجذرية التي سيشهدها اقتصادنا الوطني بمشيئة الله تعالى، تهاوي عديد أو قل كثير من منشآت القطاع الخاص، نتيجة لتلك التحولات، وهو أمر صحي إذا أمعنت النظر بداية في التشوهات التي أدت إلى وجود تلك المنشآت، والخيار المتبقي لديها في الظروف الراهنة؛ إما أن تقوم بالتكيف مع الوضع الجديد للاقتصاد الوطني، لتكفل لنفسها شروط الحياة والبقاء، وإما أن تنتهي وتتوقف! ذلك أنه في المقابل؛ سينتج عن تحولات الاقتصاد الوطني وفق رؤيته الشاملة 2030 فرص استثمارية واسعة وعديدة، تتمتع بأهليتها للنمو والبقاء، بما يخدم احتياجات الاقتصاد الوطني، وفي الوقت ذاته تكون قادرة على توفير فرص العمل الملائمة من حيث الدخل والمهارات اللازمة لمخرجات التعليم من المواطنين والمواطنات، وهذه التي تستحق خلال الأعوام العشرة المقبلة على أقل تقدير، الدعم والتحفيز والحماية ومنح التسهيلات اللازمة لها من قبل الدولة. والله ولي التوفيق.
نقلا عن الإقتصادية

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up