رئيس التحرير : مشعل العريفي
 مشعل السديري
مشعل السديري

(بروتوكولات) حكماء الأكل

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

للموائد المعاصرة اليوم (بروتوكولاتها ولستاتها)، أما تاريخيًا وفي الزمان القديم فالأمر مختلف، فيقال: إن المائدة التي نزلت على بني إسرائيل كان عليها كل البقول ما عدا الكراث، وكل سمكة عند رأسها خل، وعند ذنبها ملح وسبعة أرغفة، وعلى كل رغيف زيتون وحب الرمان.
وللعرب قديمًا أيضًا آدابهم وبروتوكولاتهم، ومنها أن الرجل يحدث أضيافه بما تميل إليه نفوسهم، ولا ينام قبلهم، ولا يشكو الزمان بحضورهم، ويبش عند قدومهم، ويتألم عند وداعهم.
بل إنهم بالغوا بكرمهم إلى درجة إكرام دابة الضيف قبل صاحبها، وها هو الشاعر يقول: مطية الضيف عندي تلو صاحبها / لن يأمن الضيف حتى تكرم الفرسا
فهل هناك اليوم على سبيل المثال رجل يتفقد سيارة ضيفه و(يعبيها) بنزين (95) إذا كان التانك (فاضي)، أو يتفحص كفراتها إذا كانت منسمه؟!، طبعًا مافيش. أما الخليفة الذي ضرب بالبروتوكولات عرض الحائط، فهو (سليمان بن عبد الملك)، الذي يقول عنه الأصمعي: كان يحب أن يأكل وحده لأنه شره نهم، ومن شراهته إذا أتي بالسفود عليه الدجاج السمين المشوي لا يصبر إلى أن يبرد، ولا أن يؤتى بمنديل، فيأخذ بكمه، فيأكل واحدة واحدة حتى يأتي عليها، فكنت إذا لبستها أقول هذه جبة سليمان بن عبد الملك - من شدة زفارتها.
وفي ذلك الزمن ليس كل الخلفاء على شاكلة ابن عبد الملك، ولا كل الناس يعيشون في رغد، وها هو الشاعر جرير عندما دخل على الخليفة الزاهد (عمر بن عبد العزيز) أخذ يصور له حال قومه المزري بهذه الأبيات: كم باليمامة من شعثاء أرملة / ومن يتيم ضعيف الصوت والنظر ممن بعدلك يكفي فقد والده / كالفرخ في العش لم يدرج ولم يطر أأذكر الجهد والبلوى التي نزلت / أم قد كفاني ما بلغت من خبري إنا لنرجو إذا ما الغيث أخلفنا / من الخليفة ما نرجو من المطر إن الخلافة جاءته على قدر / كما أتى ربَّه موسى على قدر هذي الأرامل قد قضيت حاجتها / فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر
فقال (ابن عبد العزيز): والله يا جرير لقد وافيت الأمر، ولا أملك إلا ثلاثين دينارًا فعشرة أخذها عبد الله ابني، وعشرة أخذتها أم عبد الله، ثم قال لخادمه: ادفع إليه العشرة الثالثة. ثم خرج فقال له الشعراء: ما وراءك يا جرير؟ فقال: ورائي ما يسوءكم خرجت من عند أمير يعطي الفقراء ويمنع الشعراء، وإنني عنه لراض، ثم أنشأ يقول: رأيت رقي الجن لا تستفزه / وقد كان شيطاني من الجن واقيا - انتهى. رحم الله جرير كان (أرملاً) حاله كحالي.

نقلا عن الشرق الأوسط

arrow up