رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

الرقم القياسي للعقارات .. هو الأهم

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

أعلنت الهيئة العامة للإحصاء قبل أيام قليلة، عزمها إطلاق مؤشرات ومنتجات إحصائية جديدة خلال الأشهر الستة المقبلة، تستهدف المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والسكانية، والمعرفية، والثقافية، والبيئية، منها على سبيل المثال، مؤشر التضخم الأساسي Core Inflation، الرقم القياسي للعقارات، الرقم القياسي للإنتاج الصناعي IPI، معدل الإنتاجية للمشتغل في القطاع الخاص، نسبة مساهمة المنشآت الصغيرة في الناتج المحلي الإجمالي حسب النشاط الاقتصادي، ونسبة مساهمة المنشآت المتوسطة في الإنتاج المحلي حسب النشاط الاقتصادي.
إنها المؤشرات المهمة جدا، التي طالما شكل غيابها طوال عقود ماضية، في وجود فجوات معلوماتية ترتب عليها كثير من الانحرافات، التي أفضت إما إلى اتخاذ إجراءات أو قرارات غير موفقة، أسهمت دون قصد في تعقيد التحديات التنموية، على عكس ما كان مأمولا من جهود معالجتها، وحضور تلك المؤشرات الرسمية سيكون من أهم آثاره، إبراز وتحديد تلك التحديات أو المشاكل على وجهها الحقيقي، الذي بدوره سيمكن الأجهزة المعنية من اتخاذ الإجراءات والتدابير والقرارات المناسبة تماما، وتمكن أيضا الأجهزة المعنية نفسها في وقت لاحق من مراقبة ومتابعة آثار الإجراءات والقرارات التي اتخذتها، ما سيحسن بدرجة كبيرة من كفاءة أدائها، والقيام بالأدوار والمسؤوليات الملقاة على عاتقها على الوجه المطلوب.
لا شك أن جميع المؤشرات الإحصائية المزمع إطلاقها من قبل الهيئة، تستمد أهميتها الكبيرة حسب النشاط أو المجال المرتبطة به، إلا أن أهمها قياسا إلى الأزمة الإسكانية التي يمر بها المجتمع السعودي في المرحلة الراهنة، يتمثل في الرقم القياسي للعقارات، الذي أدى غيابه ضمن مجموعة كبيرة من اشتراطات حل الأزمة الإسكانية طوال العقود الماضية، إلى إيجاد فجوة كبيرة جدا في الجانب المعلوماتي المتعلق بالسوق العقارية عموما، وفيما يتعلق بسوق الإسكان على وجه الخصوص.
ذلك أن أحد أهم ثلاثة عوامل تتسبب في تشكل الفقاعة السعرية في أي سوق كانت (بما فيها السوق العقارية)، هو عدم تماثل معلومات السوق لدى أطرافه كافة، إضافة إلى العاملين الآخرين: زيادة تدفق رؤوس الأموال الباحثة عن فرص مجدية للاستثمار والمتاجرة، والزيادة المفرطة في خلق الائتمان المحلي. وأن معالجة مثل تلك الأزمات، تبدأ من السيطرة والتحكم في تلك العوامل المؤدية إلى تفاقم أي من تلك الفقاعات السعرية، سواء في سوق المال أو السوق العقارية.
نعم تقدمت الجهود "معلوماتيا" على مستوى السوق العقارية خلال أكثر من عامين مضيا؛ حينما بادرت وزارة العدل مشكورة بإصدار المؤشرات العقارية (شهرية، ربع سنوية، سنوية) لجميع أحياء ومدن المملكة ومناطقها الرئيسة، لتوفر للسوق والاقتصاد الوطني ثروة من المعلومات والإحصاءات، التي طالما عانى المراقبون والمتخصصون غيابها، عدا المعاناة الأكبر التي كابدها المواطنون من جراء الغياب التام لأية معلومات توفر لهم أهم ركائز اتخاذ قرارات الشراء والبيع، إلا أنه في الوقت ذاته غلب عليها طابع البيانات الخام، أكثر من كونها معلومات دقيقة جدا، يمكن أن يترجم أو ينتج منها مؤشرات تساعد على كشف اتجاهات السوق، ليقع عبء استنتاج تلك المؤشرات اللازمة على المستخدمين لتلك البيانات الصادرة عن وزارة العدل، وبالطبع فهذا لا يقلل بأي حال من الأحوال من الجهود الكبيرة التي بذلتها وتبذلها وزارة العدل، ولا يقلل أيضا من أهمية تلك البيانات المنتظمة والشاملة حول نشاط السوق العقارية، على مستوى قراءة وتحليل أداء وتطورات واتجاهات السوق.
بناء عليه؛ بالنظر إلى الثروة المعلوماتية حول السوق العقارية المحلية المتوافرة الآن، التي تغطي بصورة شهرية فترة زمنية تمتد من عام 1430 حتى تاريخ الفترة الراهنة لأحياء ومدن المملكة كافة، يمكن القول إن العامل الأول الذي أسهم في تشكل الفقاعة السعرية لدينا في السوق العقارية، ويتدخل أيضا في التأثير حتى على العاملين الآخرين (زيادة تدفق الأموال، زيادة الائتمان المحلي)، أنه أصبح في حكم المؤكد اتجاهه إلى الزوال، إلا أنه في حاجة ماسة إلى نشره ومعالجته بصورة منتظمة على هيئة مؤشرات أكثر وضوحا ودلالة، تساعد على معرفة اتجاهات الأسعار في السوق العقارية المحلية، حيث يمكن استنباط مؤشرات لا حصر لها من خلال ما توفره وزارة العدل من بيانات خام ومعلومات حقيقية من داخل السوق، وهو الهدف المأمول تحققه قريبا جدا وفق الإعلان الأخير من الهيئة العامة للإحصاء، ممثلا في الرقم القياسي للعقارات، المفترض أن يتضمن كثيرا من المؤشرات التفصيلية، سواء حسب أنواع العقارات المختلفة من أراض سكنية أو تجارية، مرورا بأنواع المنتجات العقارية كالفلل والعمائر والشقق، وحسب مواقعها على مستوى المدن والمحافظات، وداخلها أيضا حسب الأحياء، إضافة إلى اتسام تلك المؤشرات بالسلاسل الزمنية أسبوعيا وشهريا وربعيا وسنويا، وتغطيتها لفترات زمنية سابقة بفترة كافية، يؤمل أن تكون أطول فترة ممكنة.
إن نشر الهيئة العامة للإحصاء تلك المؤشرات المطلوبة، ومعالجتها بالطريقة التي ترفع بصورة كبيرة جدا من درجة فائدة ما قامت به وزارة العدل من توفير للبيانات الخام للسوق العقارية، سيؤديان إلى سد الغياب المعلوماتي الراهن حول ما يجري من تطورات وتغيرات في السوق، ما سيضعها في الإطار المعلوماتي الصحيح أمام الجميع، الذي تبنى عليه التقييمات الحقيقية لا المزيفة لأوضاعها.
ستنعكس فوائدها الكبيرة على البنوك ومؤسسات التمويل العقاري، للوصول إلى القيم العادلة للأصول العقارية، ومن ثم تحديد درجة المخاطرة المرتبطة بحجم التمويل اللازم، إضافة إلى توفيرها درجات أعلى لحماية الممولين والمشترين من التورط في شراء عقارات متضخمة الأسعار، وتزداد أهمية تلك المؤشرات في الوقت الذي تشهد خلاله الآن أسعار الأراضي والعقارات انخفاضات متتالية، يتوقع أيضا أن تتعاظم بصورة لافتة خلال الفترة المقبلة، ما يرفع من أهميتها القصوى على مستوى اتخاذ قرارات التمويل والشراء على حد سواء. والله ولي التوفيق.

نقلا عن الإقتصادية

arrow up