رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالله بن بخيت
عبدالله بن بخيت

بين قطع الإشارة والمغازل

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

لا يعود فشل كثير من شعوبنا العربية والإسلامية إلى سوء الإدارة أو سوء التطبيق للأنظمة أو إلى عموم الفساد وحده. جميع الأنظمة التي نعيشها اليوم استوردناها من الغرب بكامل حمولتها فناءت بها كواهلنا الاجتماعية، قوانين المرور والجوازات والمطارات والمستشفيات والأنظمة الحكومية كافة. لا يوجد نظام حديث (واحد) تم إنباته ولو جزئيا في بلادنا. القوانين التي نعيش عليها ولدت وتنامت تحت المظلة الأخلاقية الغربية. استمدت حضورها من العادات والتقاليد وبنية المجتمع الغربي. أي قانون مهما كانت (ميكانيكيته) وبدا أن لا علاقة له بالأخلاق هو أخلاقي بالطبيعة. لابد أن يتبع نظاما أخلاقيا سابقا عليه. القانون الذي لا يتسق مع النظام الأخلاقي السائد يصبح نظاما سيئا وقابلا للاختراق والعبث والفساد. القانون لا تحميه العصا فقط، لابد من مظلة أخلاقية يستظل بظلها.
لكي يخرج كلامي من عجمة الفلسفة سأضرب مثالا بأنظمة المرور. قطع الإشارة في ثقافتنا وفي أعماق وعينا مجرد مخالفة. ليس له بعد أخلاقي يعيب مرتكبها. لا يمكن لأب سعودي أن يستعيب ولده إذا قطع الإشارة ولا يتحرج الابن أن يخبر والده بذلك. لكن لو غازل هذا الابن امرأة في الطريق حتى بكلمة طيبة فلن يجرؤ أن يخبر والده بذلك. رغم أن مخالفة قطع الإشارة أخطر على الإنسانية من مخالفة المغازل. مخالفة قطع الإشارة تشكل تهديدا صريحا لحياة الناس والمغازل من اللمم فقط. قطع الإشارة أساسه العبث والاستهتار والمغازل رغم خطئه ينطوي على نداء الطبيعة. قطع الإشارة لا يهز الأب ولا يحركه أخلاقيا لأنه لا يدخل ضمن النسق الأخلاقي الموروث فابنه لن يستعاب عند الأقارب والجيران عند قطع إشارة، ولكنه سيستعاب من جميع الأقارب والجيران لو قبض عليه مع امرأة.
في الغرب يكاد يكون الأمر مناقضا لذلك. مغازلة الشاب للمرأة تعتمد جرميته على المرأة واستجابتها. سيستعيب الأب ابنه إذا غازل امرأة ترفضه. يصبح هذا العمل اعتداء اخلاقيا. لكن قطع الإشارة عمل لا أخلاقي لا مفاصلة فيه. معيب عند الأقارب والجيران. سيصنف هذا الشاب سوقيا وغير متحضر وسيقود عمله هذا إلى تشويه سمعة العائلة. العائلة الغربية المحترمة لا يمكن أن تقبل هذا السلوك أو تتسامح معه.
لا يعني هذا أننا همج والغرب متحضر. الفرق أن قوانين المرور التي استوردناها مع السيارة نشأت في رحم الأخلاق الغربية. أساسها تم التصويت عليه في البرلمان المنتخب. المشرع الأساسي الذي يعكس أخلاق المجتمع وعقيدته ورؤيته الفلسفية. ما وافق عليه البرلمان لابد أن يتفق مع الأخلاق السائدة. نستطيع أن نقول أيضا أن قوانين المرور التي وصلتنا مكتملة جاهزة للتطبيق الفوري لم تولد بصورتها النهائية بل تنامت وتطورت بحراسة الأخلاق الغربية. مع كل إضافة ثمة نقاش طويل ومتشعب يأخذ في الاعتبار رؤية المجتمع الغربي (ما يحرمه وما يحله).
سأسأل لأجيب بعد غد: لماذا بعد كل هذه السنين لم تصبح جريمة قطع الإشارة جزءا من منظومتنا الأخلاقية؟

نقلا عن الرياض

arrow up