رئيس التحرير : مشعل العريفي
 خالد السيف
خالد السيف

اسكت يا (....)..!

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

فعلُ الأمر (اسكت) هو الأكثر استعمالاً عربياً/ ومحليّاً! في حين أنّ الأمرَ بـ: «تَكلّم» يأتي في أدنى إحصاءات أفعال الأمر ولئن ماتَ بكثرةٍ أولئك الذين لم ينصاعوا للأمر بـ: «السكوت» فإنّ المعمّرين – ممن رُدّوا إلى أرذل العمر – هم ممن ابتلعوا ألسنتهم قهراً فما تكلّموا قط..! فالساكتُ إذن ليس سوى شيطانٍ كان يُحب الحياة فأخلص لها بـ: «الصمت الطويل» فيما: «الثرثارون» هم المتمردون – لوجه الله – ممن يحبّون الانتقال إلى الآخرة سريعاً.. ثكلتكم أُمهاتكم وهل يُلفّ الناس في أكفانهم إلا حصائد ألسنتِهم؟!(اسكت) في البيت هي نفسها (اسكت) في خارجه ليس ثمّة فرق فيما بين الأمرين بـ: «السكوت» غير أنّ الآمر في البيت تأبى عليك مروءتك إلا أن: «تُحبّه» فيما لا تستطيع أن تُخفي كرهك المبين لِمن كان – خارج البيت – ممن كان دأبه معك الأمر بـ: «السكوت»!
وفي كلتا الحالتين ستبقى: «ساكتاً» ليس لك من الأمر شيء غير أن تنصاع بإخباتٍ لـ: «السكوت» الذي يجب أن لا يُغادرك في صغيرة ولا كبيرة عسى أن تحظى بلقب الـ: «مواطن الصالح»!!.. ولعلّك – يا صاحبي – لم تنس أول مرةٍ قيل لك فيها: «اسكت» أتذكر ذلك جيداً.. وقتَها كنتَ صغيراً لم تذهب بعْدُ إلى المدرسة.. وما إن أهّلتك سنواتك السبع – العجاف – للانتساب – عنوةً – لبيتٍ كان أكبر بكثيرٍ من بيتكم وإن كان يُشبهه في كلّ شيءٍ غير أنّه يخلو من: «الحريم».. بالضبط هي: «المدرسة»!! التي فيها كبِرتَ وكبِرتْ معك الأوامر بـ: «السكوت» حتى لازمتك مفردة: «اسكت» مراحلك التعليميّة كلّها وكنتَ وإياها تختلفان إلى ذات الأمكنة يداً بيد وعقباً على عقب بل إنه ما من أحدٍ قد رأى واحداً منكما وقد انفصل عن الآخر فبتّما وجهين لعملةٍ واحدةٍ يعود تأريخ سكّها إلى ما كان يُعرف بعهود محاكم التفتيش.!
نحن محكوم علينا بالسكوت لا لأننا لا نُحسن أن نتكلّم.. أبداً والله.. وإنما الأمر بـ: «اسكت يا..» تأسست قواعده على حزمةٍ من مفاهيم موروثة حَفِل بها التاريخ ردحاً – طويلاً من الزمن – واستأنس بها: «المجتمع» على النحو الذي غدت معه: «ديناً» تحرُمُ مساءلته و:«تقاليد» يُعاب من يَخرُج عليها!! فلماذا إذن لا نستبدل الذي هو أدنى: «تكلّم» بالذي هو خير: «اسكت» في معادلةٍ واعيةٍ من ممارسةٍ تُحفظ به: «الواجبات» وتُصان به: «الحقوق» على النحو الذي تبقى معه: «كرامة الإنسان» قيمة عليا لا يطالها التهميش لتتوكّد تالياً: «هيبة السلطان»..؟!
لا بدّ من القول: إن الأمر بـ: «تكلّم» – وَفق شروطه المعتبرة – من شانه أن يُنفّس عن كلّ اختناق أورثه الأمر بـ: «اسكت» فيُجدّد في الناسِ: «السّمع» رُشداً و: «الطاعة» حُبّاً ويمضي بنا بعيداً عن: «الإكراهات» التي هي مَن تُسأل عن استنبات: «الظلم» الذي بدوره ما انفكّ عن إثمار: «العدوان» ذلك الذي ما إن يبسط رواقه على أرضٍ مخضرة ٍ حتى يُحيلها قاحلة/ يباباً ويورد أهلها المهالك! إلى ذلك فإنّه ينبغي أن نفرقَ في التحريض على: «الكلام» ما بين استعمال الحمقى واستعمال: «العقلاء» إذ ليس يُظن بأحمقٍ أن يأتي إلا بـ: «كلامٍ» يؤذي أكثر مما يُعافي ويهدم أكثر مما يبني ويُميت أكثر مما يُحيي ومن أجل هذا لزم أن يماط أذى – كلام – الأحمق بأمره بـ: «السكوت» كلّما همّ أن ينبس ببنت شفة.!
نقلا عن صحيفة "الشرق"

arrow up