رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

اصطدام فقاعة العقار بالقروض والأجور

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

تصطدم فقاعة العقار في الوقت الراهن، الذي تخوض خلاله السوق العقارية المحلية عامها الثالث على التوالي من الركود الشديد، بعديد من التحديات التي لا مجال لديها بمواجهته، وتجاوزه كما اعتادت عليه طوال عقد زمني مضى، تمثلت أبرز تلك التحديات في وصول القروض المصرفية "استهلاكية، عقارية، وبطاقات ائتمان" إلى أعلى مستوى لها، قياسا على مستويات الأجور السنوية ما قبل الانخفاض الذي طرأ عليها أخيرا، وقياسا على أعداد القادرين من القوى العاملة المؤهلين، الذين تنطبق عليهم الضوابط النظامية للحصول على تلك القروض باختلاف أنواعها، حيث وصل مجموع القروض المصرفية باختلاف أنواعها "استهلاكية، عقارية، وبطاقات ائتمان" حتى نهاية الربع الثالث من العام الجاري إلى أعلى من 463.5 مليار ريال.
يأتي في المرتبة الثانية من تلك التحديات؛ انخفاض وعاء الدخل الذي سيتم احتساب حجم القرض بناء عليه، بعد استبعاد أي بدلات إضافية على الدخل الشهري للمقترض، ويتعلق هذا التحدي بدرجة أكبر بالقروض الجديدة المحتمل نشوؤها، على الرغم من الضعف الكبير الذي يشوبه، نتيجة وصول أعداد المقترضين من المصارف إلى مستويات قياسية، فاقت سقف 3.3 مليون مقترض، أي أعلى من 66 في المائة من إجمالي العمالة السعودية، وسترتفع النسبة هنا إذا ما تم احتسابها فقط على العمالة التي لا تمتلك مساكنها، ويهمها الحصول على التمويل اللازم لأجل تملك أرض أو مسكن، لتقفز أعلى من 94 في المائة.
تقتضي كل هذه الحقائق الرقمية والمثبتة رسميا، وصول جميع الحلول التمويلية الممكنة إلى ما يشبه الطريق المسدود تماما، هذا عدا انخفاض قدرة المصارف والمؤسسات التمويلية على منح مزيد من القروض للأفراد بنفس الوتيرة السابقة، التي اعتادت عليها طوال العقد الماضي، نظرا للظروف الاقتصادية والمالية السائدة في الوقت الراهن، وللانخفاض الملموس الذي طرأ على مستوى السيولة المحلية وحجم الودائع المصرفية، التي أظهرت وفق أحدث بيانات مؤسسة النقد العربي السعودي، انخفاض عرض السيولة M3 بمعدل نمو سنوي سلبي بلغ 4.0 في المائة بنهاية أيلول (سبتمبر) الماضي، وانخفاض عرض السيولة M2 للفترة نفسها بنحو 3.3 في المائة، كما انخفضت الودائع المصرفية بشكل عام وودائع الشركات والأفراد للفترة نفسها بنسبة 4.3 في المائة ونحو 2.4 في المائة على التوالي.
بناء عليه؛ ينظر إلى خيارات زيادة التمويل وتنويعها في ظل هذه التطورات على أرض الواقع، على أنها أضعف بكثير من أن تحدث فرقا ملموسا على طريق حل أزمة الإسكان، وذلك للضعف الشديد من أن يجد شرائح جديدة من الأفراد يمكنهم الاقتراض لأجل تملك مساكنهم، كون الأغلبية "3.3 مليون مقترض" يتحملون قروضا مصرفية هائلة تناهز 464 مليار ريال، كل هذا ينصب في جانب العجز عن تعزيز ورفع قدرة جانب الطلب، على الرغم من ارتفاعه على الإسكان. فيما يبقى كثير من فرص حل الأزمة الإسكانية إذا ما تم النظر إلى جانب العرض "المتضخم الأسعار"، والمتشبع أيضا بفائض عرض هائل من المساكن الشاغرة فاق عددها 1.5 مليون وحدة سكنية، ويتوقع أن يتزايد خلال العامين المقبلين بأكثر من 1.0 مليون وحدة سكنية جديدة، ليتجاوز إجمالي أعداد المساكن الشاغرة من السكان خلال عامين مقبلين إلى أعلى من 2.5 مليون وحدة سكنية، مع الأخذ في الاعتبار إمكانية قدرة السوق على بيع جزء بسيط من تلك الوحدات السكنية خلال نفس الفترة المقبلة.
إن كل انخفاض في الأسعار المتضخمة للأصول العقارية، يعني بدوره زيادة فرصة الطلب لسد احتياجه من الإسكان، وكلما ارتفعت نسبة الانخفاض زاد انفراج أزمة الإسكان المحلية، عدا ذلك ستأتي دون أدنى شك النتائج معاكسة تماما، وسيتفاقم حجم أزمة الإسكان مستقبلا أكبر مما هي عليه في المرحلة الراهنة.
إلا أن منطق السوق العقارية والإسكان على أرض الواقع، لا يجري على هذا المنوال، فما يجري الآن على الأرض هو انخفاض تدريجي تواجهه الأسعار منذ أكثر من عام مضى، ويتوقع تحت الظروف والمعطيات الأخيرة، أن تتسارع وتيرة الانخفاض بصورة أكبر كما هو قائم الآن، ووفق ما تظهره بيانات وزارة العدل الموثوقة، ورغم كل تلك الانخفاضات الملموسة، إلا أنها لم تصل بعد إلى المستوى الذي يحقق التوازن المأمول بين قوى العرض والطلب، ما يعني بدوره أن أسعار التوازن المستهدفة لا تزال بعيدة حتى تاريخه عن الأسعار السوقية الراهنة.
الأمر من جانب قوى الطلب؛ لا يتطلب أكثر من مراقبة ومتابعة الأسعار المتضخمة في السوق العقارية وهي تتراجع فترة بعد فترة، لتجد عند كل مستوى معين من الانخفاضات شرائح محددة تقبل الشراء بها، يتوقع أن تتسع تلك الشرائح شيئا فشيئا مع كل انخفاض أكبر. إنه السيناريو الذي يصب في مصلحة الاقتصاد والمجتمع على حد سواء، وهو المخرج الوحيد للخروج من دائرة أزمة الإسكان الراهنة، ورغم ما قد يواجهه من مقاومة متوقعة من قبل أصحاب المصلحة من استدامة الأزمة الإسكانية "تضخم الأسعار"، إلا أنها لن تستطيع الوقوف طويلا في وجه دورة السوق العقارية، ولا في وجه المعطيات والمتغيرات الاقتصادية والمالية الأكبر والأثقل وزنا من أي عوامل أخرى. والله ولي التوفيق.
نقلا عن صحيفة "الاقتصادية"

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up