رئيس التحرير : مشعل العريفي
 فهد الأحمري
فهد الأحمري

هدر في مساجدنا

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

لا تحتاج لكبير جهد للوقوف على الهدر اليومي والاستنزاف الهائل لموارد الطاقة في مساجدنا على وجه الخصوص في غير أوقات الصلاة، تجد الأعداد الهائلة من أجهزة التكييف والمراوح والإضاءة بكافة أنواعها في الداخل والخارج وحتى في دورات المياه وأماكن الوضوء. كلنا شاهد عيان يومي على هذه الظاهرة حتى فقدنا الإحساس بها أو استسلمنا لها لصعوبة معالجتها.

إنارات المساجد الخارجية أشبه بكشافات ملاعب أو منشآت نفطية تضيء الفضاء من غروب الشمس إلى شروقها دون حاجة، بل أصبح بعضها عامل إزعاج لجيران المسجد لاضطراب نومهم فضلا عن تبديد الطاقة. يذكر أحد العمال القائمين على أحد المساجد أن الإمام والمؤذن يطلبان منه تشغيل المكيفات قبل الصلاة بساعة وبعدها بنصف ساعة، وبعضهم يقول إن عنده تعليمات بترك هذه الأجهزة شغالة بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء حتى بعد غلق الأبواب! وعلى هذا، فإن حسبة بسيطة تظهر استهلاك المسجد الواحد تقريبا 9 ساعات يوميا بينما الاستخدام الفعلي حوالي 3 ساعات يوميا فقط. أحد منسوبي المساجد يبرر هذا التصرف بقوله "نقوم بهذا لأجل راحة المصلين وتحصيل الخشوع المطلوب في الصلاة"! ومن أوحى لك بهذا يا مولانا؟ أليس إسباغ الوضوء على المكاره مما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ وكذلك هو الحال في الصلوات على المكاره، ثم أين هي مواعظ الأجر في الصبر وتحمل المشاق في سبيل الله؟ أو لأنه من المال العام فلا قيمة له؟!

يعتلي المنبر ويقدم خطبة نارية عن الإسراف وخطره وعقوباته في الدنيا والآخرة، وأهمها أن الله يكره المسرفين ولا يحبهم للآية الكريمة (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين)، وعند فراغه من الصلاة يستدعي المؤذن والحارس: "حاس المسجد مو مرة بارد ليش؟ ما قلت لكم شغلوا المكيفات دائما قبل الصلاة بساعة إلا الجمعة من الساعة تسع؟! طيب اش رأيكم يوم الجمعة تخلوها شغالة من بعد الفجر؟!" (حوار حقيقي). في تقرير صادر عن الشركة السعودية للكهرباء نشرته صحيفة الرياض يوضح أن المساجد الأعلى استهلاكاً للطاقة والبالغة 2‪.‬35 مليار واط/الساعة خلال عام 2013، وبالتأكيد فإن الاستهلاك يرتفع سنويا لازدياد أعداد المساجد.

لهذا فإن الترشيد بحزم يبدأ من بيوت الله، وذلك بإلزام المساجد بخفض الاستهلاك وإصدار آلية فاعلة لمعاقبة القائمين على المسجد الذي يرتفع استهلاكه عن المعدل المحدد، والذي تقدره وزارة الشؤون الإسلامية بالتعاون مع الشركة السعودية للكهرباء. لا يعلم الكثير مقدار تكلفة وحدات الطاقة للكهرباء وثمن الوقود المستهلك والنفقات التشغيلية ومصاريف الطاقة المشتراة ونقلها وتوزيعها، ولا يعلم أيضا كثير منا الدعم الحكومي الذي يقدم لشركات الطاقة من خلال أسعار الوقود المستخدم في إنتاج الكهرباء وتحلية المياه. وعلى ذكر المياه، فإن هدرها في المساجد كارثة أخرى، تسمع شلالات المياه عند قدومك لأماكن الوضوء، وربما سمعتها عند مواقف السيارات، وبالأخص العمالة الآسيوية التي تبالغ في الطهارة وتدليك الأعضاء وفقا لفقه معين يرى وجوب الوضوء لكل صلاة واستحضار النية عند كل عضو عند غسله، مما يجعله يكرر ويطيل صب المياه، وقد يطيب الحديث مع أصدقائه في "ملتقى الوضوء".

إذا علمنا أن في المملكة ما يزيد عن المئتي ألف مبنى حكومي، نصفها مساجد، فلك أن تتخيل مقدار المليارات التي سيتم توفيرها سنويا جراء "الإرشاد" الذي نصفه بيد جهة حكومية واحدة وهي وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد!. والحلول كثيرة لإيقاف أو تخفيف هذا التبديد. ربما يمكن وضع غرفة مراقبة للمساجد والمباني الحكومية لكل مدينة بدلا من المراقبة الميدانية الصعبة. تكون مهمة هذه الغرفة ملاحظة ما يجري من إساءة استخدام لتلك المواقع فيما يخص الطاقة وغيرها. لماذا لا تضع شركة الكهرباء والمياه معدلا تقديريا للاستهلاك الشهري لكل مسجد ومبنى حكومي على حسب حجمه وموقعه، ومن ثم تتم محاسبة مسؤولي الموقع عن التجاوزات؟
التوجه لاستعمال الأجهزة والإنارة الموفرة للطاقة في المساجد والمباني الحكومية مطلب قديم غير أنه حان تفعيله بشكل جاد وتحديث المواصفات القياسية. العمل على استغلال الطاقة الشمسية في تشغيل المساجد والمباني الحكومية، ولتكن الانطلاقة الفعلية لتنفيذ هذا المشروع من خلال المساجد. بحث كيفية الاستفادة من مياه الوضوء بمعالجتها وإعادة استخدامها للوضوء مرة أخرى، فالقاعدة الفقهية في طهارة المياه تقول "ما بلغ القلتين لا يحمل الخبث"، "والماء طهور لا ينجسه شيء..". التأكيد على تفعيل فكرة العازل الزجاجي في المساجد ليقتصر على استخدام جزء معقول من المساحة. مساجد عديدة لا يستخدم منها فعليا سوى صفين إلى أربعة صفوف، بينما تفتح كامل مساحتها المكون من أربعين صفا بكامل حمولاته الكهربائية 9 ساعات يوميا، أليس هذا هو عين الإسراف الذي يبكينا الأئمة في خطبهم عند التطرق إليه؟!
نقلا عن الوطن

arrow up