رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالله بن بخيت
عبدالله بن بخيت

محمد بن نايف

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

خرجتَ من المنزل بعد صلاة المغرب لشراء علبة لبن. مجرد نزوة طرأت عليك. البقالة لا تبعد عن البيت أكثر من مئة وخمسين مترا. عدت إلى البيت، استلقيت على الكنب، أخذت تقلب العالم في جوالك. تتضاحك وتتلقى الأخبار والنكت. بعد ساعة أو ساعتين لن تتذكر هذه الحادثة، سوف تختفي من ذاكرتك إلى الأبد، ليس لها أي أهمية في حياتك، ما الذي يعنيه لك أو للعالم أن إنسانا ذهب إلى البقالة واشترى علبة لبن. لا شيء. هذه الحادثة التافهة كان يمكن أن تكون خبرا في كل صحف العالم وكل الجوالات والمواقع وعلى كل لسان وربما تكون على أثرها ميتا. لا تعرف أن حركتك البسيطة هذه اشتغل على تحقيقها في مكان آخر عقول كبيرة وأرواح عزيزة ورجال شجعان.
أعلنت وزارة الداخلية قبل عدة أيام إحباط محاولة إرهابية قرر لها الأشرار أن تنفجر في ملعب الجوهرة بجدة المكتظ بعشرات الآلاف من البشر معظمهم من صغار السن. انتشر خبر إلقاء القبض على الخلية عدة أيام ثم امحى من الألسن في أقل من أسبوع. نسيناه والتفتنا لشؤون حياتنا المعتادة نتضاحك ونتبادل الأخبار ونقلب جولاتنا. تخيل الحالة التي سنكون عليها نحن والعالم لو أن الأشرار نجحوا في مخططهم. سنكون على كل لسان على وجه الأرض. في مقهى في الأرجنتين أو جلسة عجائز في قرية في الصين وفي كل مكان يلتقي فيه اثنان على وجه الأرض، ولك أن تحصي كم أم تمزق قلبها.
هذه هي مأساة رجل الأمن السعودي. نجاحه خبر صغير يتلاشى بسرعة بينما نجاح غيره يصبح خبرا مدويا في أنحاء العالم وفي أعماق القلوب. إذا فاز المنتخب هللت وسائل الإعلام وضجت المجالس وانهالت التهاني والتبريكات وازدادت قيم عقود اللاعبين وحمل المدرب على الأعناق وخرجت الجماهير إلى الشوارع للتظاهر والشغب أيضا. رجل الأمن يحاسبه الجميع على إخفاق واحد ولا يكافأ على عشرات النجاحات.
ثمة سلسلة طويلة من النجاحات هي التي أوصلت رجل الأمن إلى كشف مخطط تفجير الجوهرة، هذه النجاحات لا نراها ولا نعرف عنها أي شيء. في حال المنتخب نهلل مع كل خطوة نجاح يخطوها حتى على التافه من نجاحاته كالمباريات الودية التجريبية.
رجل المباحث السعودي على وجه الخصوص يدخل الحرب كمن يدخل مغارة موحشة مظلمة رطبة لا يعرف ما الذي يمكن أن يصادفه مع كل تقدم ينجزه. ظلام دامس وكل شيء في هذا الظلام مسموم ومعادٍ. كل شيء تعني كل شيء. قد يكون المجرم المتربص هو هذا الذي يجلس إلى جانبك أو ابن عمك أو صاحب البقالة.
من غير العدل أن نسمى حرب وزارة الداخلية على الإرهاب بالحرب. الحرب لها قيم ومثل وفروسية. الحرب التي يعرفها البشر هي حرب ضد الآخر. تعرف هذا الآخر بلغته أو بملابسه وقد تعرف جيشه وعدته. كل حرب في الدنيا تنتهي بالصلح أو باستسلام أحد الطرفين وربما يتحول الأطراف المتحاربون إلى أصدقاء في يوم من الأيام. في كل المعارك التي دارت في التاريخ امتلك كل طرف شارك فيها قبسا من العدالة في صراعه مهما كان متجبرا وعدوانيا عدا هذه المعركة التي يخوضها رجال الأمن في المملكة العربية السعودية.
في الحروب تختار الجيوش المتقابلة حق خوض الحرب. كل طرف يعرف خصمه ويقيم إمكانياته أما أن يدخل الحرب أو يبحث عن الصلح أو أن يتنازل للعدو. الحرب على الإرهاب لا يوجد فيها سوى الخيار الأول. حرب تستوجب الخوض بغض النظر عن قوة العدو أو ضعفه. حرب مع الخيانة والغدر وشهوة الانتحار وسيادة الخرافة. عندما تريد أن تمد يدك للصلح مع هؤلاء ما الذي ستبحثه معهم وما هو التنازل الذي تروم تقديمه. المسافة بين المتقاتلين في هذه الحرب تمتد بطول المسافة التي تقع بين الظلام والنور. لا تسمح الطبيعة والفطرة والحق أن يتعايش النور والظلام في غرفة واحدة. أحدهما يجب أن يلغي وجود الآخر هكذا تعلمنا الشمس كل صباح منذ فجر الوجود.
محمد بن نايف ليس جنرالا يقود صراعا متعدد الاحتمالات يمنحه حق المناورة وتبديل الأهداف وكسب الوقت بالمفاوضات. بيد أنه يبقى منتصرا دائما؛ لأنه حليف الخير والنماء والشمس. لو جمعت كل تصريحاته وخروجه في كل وسائل الإعلام فلن تجد ما يملأ نصف صفحة في جريدة لأنك سترى نتائج عمله كلما أشرقت الشمس على بيتك وزوجتك وأطفالك ونثرت أشعتها المشبعة بالسلام والنماء والازدهار وجلست مرتخيا ترشف من علبة اللبن وتقلب جوالك وتتضاحك.
نقلا عن "الرياض"

arrow up