رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

إلى أين تتجه السوق العقارية؟

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

سؤال سيجيب عليه الكثير إجابات متباينة، بل متضاربة إلى حد بعيد جدا. لعل لغة الأرقام تساعدنا الإجابة عن هذا السؤال المهم جدا للجميع، سواء الواقفين على جانب الطلب، أو الواقفين على جانب العرض، نستعرض تلك الأرقام الصادرة عن كل من وزارة العدل والشركة السعودية للكهرباء، ثم نحاول استقراء ما يمكن استقراؤه للإجابة عن سؤال الموضوع.
وفقا للبيانات الرسمية الصادرة عن الشركة السعودية للكهرباء، وصل عدد الوحدات السكنية الجديدة التي تم إيصال الكهرباء إليها خلال الفترة 2010 ـــ 2015 إلى أكثر من 1.7 مليون وحدة سكنية جديدة (يقدر أن تبلغ 545.7 ألف وحدة خلال 2016)، في المقابل وصل عدد العقارات السكنية المبيعة خلال الفترة نفسها 2010 ـــ 2015 بأنواعها كافة سكني وتجاري إلى 91.5 ألف منتج سكني (بما فيها البيوت التي تعتبر قديمة البناء)، أي ما نسبته 5.3 في المائة فقط من إجمالي العدد التراكمي، وعلى افتراض أن نصف عدد تلك الوحدات السكنية الجديدة وفقا لبيانات الشركة السعودية للكهرباء، قد تم بناؤه من قبل ملاكها لأجل السكن فيها لا لأجل البيع (أي أن المتبقي للبيع نحو 870.2 ألف وحدة سكنية)، فإن نسبة ما تم بيعه من الوحدات السكنية سترتفع 10.5 في المائة، وتظل نسبة متدنية جدا مقارنة بفوائض البيع الهائلة، علما أن الوحدات السكنية الجديدة التي تم إيصال الكهرباء إليها خلال الفترة السابقة 2001 ـــ 2009 يناهز 1.7 مليون وحدة سكنية (سيبلغ الإجمالي للفترة 2001 ـــ 2015 أكثر من 3.4 مليون وحدة سكنية).
بقي أن يذكر أن قيمة صفقات الوحدات السكنية المبيعة بأنواعها كافة سكني وتجاري، بلغت 54.4 مليار ريال خلال الفترة 2010 ــ 2015، أي ما نسبته 3.1 في المائة من إجمالي قيمة الصفقات العقارية للفترة نفسها (1.74 تريليون ريال)، مقابل قيمة الصفقات العقارية على قطع الأراضي سكني وتجاري للفترة نفسها البالغة 1.6 تريليون ريال، أي ما نسبته 89.8 في المائة من إجمالي قيمة الصفقات العقارية المشار إليها أعلاه.
إن مما لا شك فيه؛ أن الأرقام الرسمية أعلاه تعكس واقعا "مخفيا" ومخيفا في الوقت ذاته عن الغالبية الأكبر من أطراف السوق العقارية، بل إنه بإضافة البيانات السابقة والراهنة خارج الفترة الزمنية 2010 ــ 2015 سنجد أننا نسير إلى وجود فوائض هائلة في عرض الوحدات السكنية لأجل البيع، سيتجاوز عددها بحلول نهاية العام الجاري بعد شهر نحو 1.5 مليون وحدة سكنية! إن الأزمة الإسكانية التي نواجهها وفقا لكل ما تقدم ذكره، تشير في دلالة أكثر وضوحا إلى أننا لسنا في مواجهة أزمة إسكان بالمعنى الذي تتحرك في ضوئه وزارة الإسكان في الوقت الراهن، بل نحن أمام أزمة من نوع آخر، مختلفة تماما عن القضية أو الأزمة التنموية التي تتحرك خلفها الوزارة! المتمثلة بالتحديد في أزمة "تملك المساكن"، والفرق بين تشخيص وتحديد الأزمتين كبير جدا، وإهماله أو عدم إدراكه من قبل الوزارة وبقية الأطراف المعنية بالإسكان يحمل مخاطر جسيمة جدا، التي تتجاوز تكلفتها على كاهل الاقتصاد الوطني تريليونات الريالات!
إننا أمام جموع هائلة تتجاوز اليوم نحو 1.2 مليون طالب سكن، في الوقت ذاته يوجد نحو 1.5 مليون وحدة سكنية شاغرة، لكن لا تستطيع تلك الجموع ولا تملك القدرة الشرائية الكافية للوصول إلى قدر معقول من فائض العرض الهائل 1.5 مليون وحدة سكنية! الأخطر من ذلك؛ أن وزارة الإسكان تستهدف حسب رؤيتها الناشئة من تعريفها للأزمة على أنها "أزمة إسكان"، لا أزمة "تملك مساكن"، أؤكد أنها تستهدف إنشاء 1.5 مليون وحدة سكنية جديدة بالمشاركة مع القطاع الخاص، في الوقت ذاته الذي يفتقر إليه أغلب طالبي السكن للقدرة الشرائية وحتى القدرة الائتمانية للشراء بالأسعار المتضخمة جدا للمساكن.
نعود الآن إلى المربع الأول، وصولا إلى تصور عام للوضع الراهن، يمكن من خلاله تصور المستقبل الذي تنتظره السوق العقارية. بناء عليه يمكن القول؛ إن السوق تواجه خلال المرحلة الراهنة ومستقبلا: (1) فائض مساكن يفوق 1.5 مليون وحدة سكنية شاغرة. (2) إنشاء وحدات سكنية جديدة تناهز 1.5 مليون وحدة سكنية جديدة أخرى. (3) الاندفاع المتزايد لأغلب ملاك الأراضي نحو التطوير أو البيع هربا من مقصلة الرسوم على الأراضي، التي لم يبق على تحصيلها أكثر من أسبوعين من تاريخه، لتتجه السوق إلى ما يشبه الإغراق من المساكن الجديدة الشاغرة، عدا موجة البيع الهائلة للأراضي، التي طغت أعداد لوحات إعلانات بيعها بصورة هائلة على حواف الشوارع وداخل الأحياء بصورة غير مسبوقة، ويتوقع أن تتزايد بصورة أكبر في الأجل القريب. (4) استمرار انكماش السيولة المحلية، الذي سينعكس أثره دون شك على الأسواق المحلية كافة لا السوق العقارية فحسب. (5) تقلص أعداد السكان غير السعوديين، نتيجة قيام أغلب منشآت القطاع الخاص بإنهاء خدمات شريحة من عمالتها الوافدة، استجابة لتقلص إيراداتها من جانب، ومن جانب آخر توظيف العمالة الوطنية، وهذا بدوره سيسهم في زيادة أعداد المساكن الشاغرة.
إنها العوامل أو المتغيرات الرئيسة، إضافة إلى بقية العوامل الاقتصادية والمالية الأخرى غير المواتية، التي ستنعكس سلبا بدرجة أكبر على مستويات الأسعار السوقية المتضخمة الآن، لنشهد انحدارا سعريا أكبر مما شهدته السوق حتى تاريخه، وهو أمر صحي دون شك، إلا أنه في جانب آخر يحمل عددا من المخاطر الوخيمة الأخرى، تتعلق بضخ استثمارات ومساكن جديدة، ستأتي أكبر من الاحتياج الفعلي والمستقبلي للسوق، الذي سيؤدي لإلحاق خسائر فادحة بتلك الاستثمارات في مجال التطوير والبناء أكثر من الاحتياج الفعلي (تكرار للتجربة العقارية الصينية، التي انكشف على أثرها القطاع التمويلي أمام عشرات الآلاف من شركات التطوير العقاري المتعثرة عن بيع أكثر من 35 مليون وحدة سكنية جديدة). والله ولي التوفيق.
نقلا عن "الإقتصادية"

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up