رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالحميد العمري
عبدالحميد العمري

أزمة تملك مساكن لا أزمة إسكان

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

يتصل الحديث هنا بما تمت الكتابة عنه في المقال الأخير "إلى أين تتجه السوق العقارية؟" وضرورة أن تقوم وزارة الإسكان بالتركيز الأكبر على الصلب "الحقيقي" للأزمة التنموية في سوق الإسكان، المتمثلة تحديدا في مواجهتنا لأزمة "تملك المساكن"، وعدم توافر القدرة الشرائية أو الائتمانية لدى الأفراد، التي تؤهلهم للتملك في أجواء تسودها الشفافية والعدالة وعدم المغالاة في الأسعار، لأجل شراء الأرض أو المسكن الملائم، والحذر كل الحذر من الانجراف غير الرشيد، خلف تشخيص الأزمة التنموية على أنها أزمة إسكان "عدم توافر مساكن"، والعمل على ضخ مزيد من مئات الآلاف من الوحدات السكنية الجديدة، مستهدفة إنشاء أكثر من 1.5 مليون وحدة سكنية جديدة في منظور الأعوام الأربعة القادمة، في الوقت ذاته الذي تقف عليه السوق المحلية أمام فوائض وحدات سكنية ستتجاوز بحلول نهاية العام الجاري سقف 1.5 مليون وحدة سكنية شاغرة، وتتصاعد وتيرة الأزمة هنا إذا ما أخذ في الاعتبار، التصريح الصادر عن وزير الإسكان في أيار (مايو) 2016: "إن جزءا كبيرا من البناء الفردي الذي يمثل 90 في المائة من المنتجات الإسكانية الموجودة حاليا تنقصه الجودة من الناحية الهندسية".
حسنا؛ نحن جميعا أمام مفترق طرق تنموية مهمة جدا، يجب أخذ كل تفاصيلها في الحسبان، قبل التقدم خطوة واحدة في أي اتجاه من تلك الطرق، ولنطرح معا الأسئلة والمحاور الرئيسة الآتي ذكرها تفصيليا في الجزء التالي، بهدف الوقوف على أرض صلبة ومأمونة، تمكننا جميعا من بلوغ المستقبل وتجاوزه في ظروف أكثر أمانا، وبما يحقق غاياتنا التنموية بأقل المخاطر والتكاليف.
أولا: إذا كانت فوائض الوحدات السكنية بأعدادها الهائلة الآن، والمعروضة للبيع بأسعار باهظة جدا أمام الأفراد الباحثين عن تملك مساكنهم، أؤكد إذا كان 90 في المائة منها تنقصه الجودة حسب تصريح وزارة الإسكان، لماذا تأخرت الأجهزة المعنية حتى تاريخه في وضع المواصفات الهندسية الملزمة لكل الأطراف، التي سمح غيابها المكلف بتورط كثير من الأفراد في شراء مساكن سرعان ما انكشفت عيوب بنائها الخطيرة بعد فترة قصيرة من الشراء؟
ثانيا: إذا كانت فوائض الوحدات السكنية الراهنة على حد وصف وزارة الإسكان أعلاه "تنقصها الجودة"، هل قامت الوزارة بوضع مواصفات واشتراطات محددة أمام المطورين العقاريين المتقدمين إليها الآن، الذين يزمعون بيع منتجاتهم السكنية للمتقدمين على بوابة وزارة الإسكان؟ وهو المشروع الذي سبق أن أعلنت عنه الوزارة سابقا، إلا أنه غاب أخيرا ولم يصدر بعد عن الوزارة ما يفيد بما تم في خصوصه، هل تم تفعيله أم أنها أجلت تطبيقه إلى أجل غير مسمى؟
ثالثا: هل من السلامة اقتصاديا واجتماعيا وماليا أن تبتكر وزارة الإسكان من فترة إلى أخرى، برامج كثيرة متعددة في جانب التمويل أمام الباحثين عن تملك مساكنهم، مقابل وجود تشوهات البناء وعدم توافر عامل الجودة في الوحدات السكنية المعروضة للبيع الآن من قبل المطورين العقاريين، باعتراف وزارة الإسكان نفسها المذكور أعلاه؟
رابعا: في حال أكملت وزارة الإسكان طريق تدشين مزيد من تعاقداتها مع المطورين المحليين والأجانب، لبناء مئات الآلاف من الوحدات السكنية الجديدة (استهداف بناء 1.5 مليون وحدة سكنية جديدة في منظور الأعوام الأربعة المقبلة)، تحت ضوابط هندسية أفضل من المواصفات الهندسية للوحدات السكنية المعروضة للبيع في الوقت الراهن. ما المتوقع من جانبها بخصوص تلك الوحدات السكنية الراهنة، هل ستسمح للأفراد بشرائها على عيوبها الهندسية مع توقع الانخفاض الشديد في أسعارها، الذي سيجتذب دون أدنى شك أغلبية الأفراد، مقارنة بالأسعار الأغلى للوحدات السكنية الجديدة؟ معلوم أن توافر السلع الرديئة ذات الأسعار المتدنية بكميات هائلة في أي سوق، سيؤدي إلى طرد السلع الجيدة وإن كانت بأسعار عادلة، إلا أن أسعارها تعتبر أغلى مقارنة بأسعار السلع الرديئة.
خامسا: ما خيارات الخروج من مأزق رداءة بناء الوحدات السكنية الراهنة؟ هل سيتم القبول بتمريرها إلى الأفراد المشترين، ومن ثم سيتم التعامل لاحقا مع انكشاف عيوبها الهندسية بعد البيع حسب كل حالة، ودخول الجميع (البائعين، المشترين) في قنوات لا نهائية العدد وإجراءات التقاضي، تستهدف تسوية النزاعات المتوقعة؟ على أن الأمر الأجدر بالتوقف عنده هنا؛ أن تبادر الأجهزة المعنية بحماية الأفراد من التورط في شراء تلك الوحدات السكنية غير المستوفية للمواصفات الهندسية والإنشائية، حتى لو نتج عن تلك الخطوات تحمل مطوري تلك الوحدات خسائر كسادها وعدم بيعها.
سادسا: تقتضي الحماية الاستباقية لأفراد المجتمع من التورط في شراء وحدات سكنية لا تنطبق عليها المواصفات الهندسية اللازمة، وتحديدا تلك المشار إليها في السؤال الرابع أعلاه "الوحدات الرديئة بأسعار منخفضة"، أن تبادر وزارة الإسكان وبقية الأجهزة الحكومية ذات العلاقة، بوضع الأنظمة والإجراءات الكفيلة بحماية الأفراد من تلك الورطة، وأن تسرع وزارة الإسكان خطواتها المستهدفة خفض أشكال الاحتكار في السوق العقارية، ومخالفات التلاعب بالأسعار ورفعها، لتتوافر وحدات سكنية عالية الجودة، أمام عموم الأفراد الباحثين عن تملك مساكنهم.
سابعا: إذا ما نظرنا بجدية تامة الآن إلى الأزمة التنموية "الإسكان"، أخذا بعين الاعتبار عدم جودة 90 في المائة الوحدات السكنية المعروضة للبيع في الوقت الراهن، فنحن إذا أمام أزمتي إسكان لا أزمة واحدة! الأولى المتمثلة في انخفاض نسبة تملك الأفراد لمساكنهم، والثانية المتمثلة في عدم توافر الوحدات السكنية الملتزمة بالمواصفات الهندسية الجيدة.
بناء عليه؛ يجب على وزارة الإسكان وفق هذا السيناريو المعقد جدا، مضاعفة جهودها أكثر مما هي عليه في الوقت الراهن ومستقبلا، إضافة إلى ما تقدم ذكره في المحاور السابقة أعلاه بالتنسيق مع الأجهزة الحكومية الأخرى ذات العلاقة، أن تعمل على: (1) تسريع تطبيق الأنظمة والإجراءات الهادفة إلى خفض الأسعار المتضخمة للأراضي والعقارات "نظام رسوم الأراضي". (2) تفعيل إجراءات تنظيم عقود الإيجارات وتشديدها، والعمل على زيادة شفافية السوق أمام عموم الأطراف، التي ستؤدي دون شك إلى خفض تكلفة الإيجارات، كون المعروض من الوحدات السكنية سواء للبيع أو للإيجار أكبر من حجم الطلب، إضافة إلى عديد من الإجراءات والخطوات المهمة، سيتم استعراضها في المقال القادم بمشيئة الله تعالى. والله ولي التوفيق.
نقلا عن "الإقتصادية"

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up